الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 378 ]

                                                                                                                                                                                                                                        سورة الناس

                                                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس

                                                                                                                                                                                                                                        قل أعوذ برب الناس وإنما ذكر أنه رب الناس ، وإن كان ربا لجميع الخلق لأمرين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : لأن الناس معظمون ، فأعلم بذكرهم أنه رب لهم وإن عظموا .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم ، فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم . ملك الناس إله الناس لأن في الناس ملوكا ، فذكر أنه ملكهم ، وفي الناس من يعبد غيره فذكر أنه إلههم ومعبودهم . من شر الوسواس الخناس الخناس هو الشيطان ، وفي تسميته بذلك وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : لأنه كثير الاختفاء ، ومنه قوله تعالى : فلا أقسم بالخنس يعني النجوم لاختفائها بعد الظهور .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لأنه يرجع عن ذكر الله ، والخنس الرجوع ، قال الراجز


                                                                                                                                                                                                                                        وصاحب يمتعس امتعاسا يزداد من خنسه خناسا

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 379 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وأما (الوسواس) ها هنا ففيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه الشيطان لأنه يوسوس للإنسان ، وقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله الوسواس الخناس قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، وإذا ذكر الله تعالى خنس ، فعلى هذا يكون في تأويل الخناس وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : الراجع بالوسوسة على الهوى .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه الخارج بالوسوسة في اليقين . الوجه الثاني : أنه وسواس الإنسان من نفسه ، وهي الوسوسة التي يحدث بها نفسه . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما وسوست به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به) . الذي يوسوس في صدور الناس وسوسة الشيطان هي الدعاء إلى طاعته بما يصل إلى القلب من قول متخيل ، أو يقع في النفس من أمر متوهم ومنه الموسوس إذا غلب عليه الوسوسة ، لما يعتريه من المسرة ، وأصله الصوت الخفي ، قال الأعشى


                                                                                                                                                                                                                                        تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت     كما استعان بريح عشرق زجل .



                                                                                                                                                                                                                                        من الجنة والناس أما وسواس الجنة فهو وسواس الشيطان على ما قدمناه ، وأما وسواس الناس ففيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنها وسوسة الإنسان من نفسه ، قاله ابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه إغواء من يغويه من الناس . قال قتادة : إن من الإنس شياطين ، وإن من الجن شياطين ، فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 380 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ حسنا وحسينا فيقول : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة ، ونحن نستعيذ بالله مما عوذ ونستمده جميل ما عود . وفقنا الله وقارئه لتدبر ما فيه وتفهم معانيه ، فيه توفيقنا وعليه توكلنا ، والحمد لله وحده وكفى ، وصلواته على رسوله محمد المصطفى ، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وأصحابه الطاهرين .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية