الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 313 ] قوله عز وجل: وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا يحتمل وجهين: أحدهما: قد سمعنا هذا منكم ولا نطيعكم. والثاني: قد سمعنا قبل هذا مثله فماذا أغناكم. لو نشاء لقلنا مثل هذا يحتمل وجهين: أحدهما: مثل هذا في النظم والبيان معارضة له في الإعجاز. والثاني: مثل هذا في الاحتجاج معارضة له في الاستدعاء إلى الكفر. إن هذا إلا أساطير الأولين يعني أحاديث الأولين ويحتمل وجهين: أحدهما: أنه قصص من مضى وأخبار من تقدم. والثاني: أنه مأخوذ عمن تقدم وليس بوحي من الله تعالى. وقيل إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة ، وقد قتله النبي صلى الله عليه وسلم صبرا في جملة ثلاثة من قريش: عقبه بن أبي معيط ، والمطعم بن عدي ، والنضر بن الحارث وكان أسير المقداد ، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل النضر قال المقداد: أسيري يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعن المقداد) ، فقال: هذا أردت. وفيه أنزل الله تعالى الآية التي بعدها. وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وفي هذا القول وجهان: أحدهما: أنهم قالوا ذلك عنادا للحق وبغضا للرسول صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنهم قالوا ذلك اعتقادا أنه ليس بحق. وفيهم نزل قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع [المعارج: 1] وفيهم نزل قوله تعالى: ربنا عجل لنا قطنا [ص: 16] . قال عطاء : لقد نزلت في النضر بضع عشرة آية من كتاب الله تعالى. قوله عز وجل: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يحتمل وجهين: أحدهما: أنه قال ذلك إكراما لنبيه وتعظيما لقدره أن يعذب قوما هو بينهم. تعظيما لحرمته. [ ص: 314 ] والثاني: إرساله فيهم رحمة لهم ونعمة عليهم فلم يجز أن يعذبهم وهو فيهم حتى يستحقوا سلب النعمة بإخراجه عنهم. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فيه خمسة أقاويل: أحدها: وما كان الله ليعذب مشركي أهل مكة وقد بقي فيهم من المسلمين قوم يستغفرون وهذا قول الضحاك وأبي مالك وعطية. والثاني: لا يعذبهم في الدنيا وهم يستغفرون فيها فيقولون: غفرانك. قال ابن عباس : كان المشركون بمكة يطوفون بالبيت ويقولون: لبيك لبيك لا شريك لك ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قد قد فيقولون: إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ، ويقولون غفرانك ، فأنزل الله تعالى: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون قاله أبو موسى ويزيد بن رومان ومحمد بن قيس. والثالث: أن الاستغفار في هذا الموضع الإسلام ، ومعنى الكلام: وما كان الله معذبهم وهم يسلمون ، قاله عكرمة ومجاهد . والرابع: وما كان الله معذب من قد سبق له من الله الدخول في الإسلام ، قاله ابن عباس . والخامس: معناه أنهم لو استغفروا لم يعذبوا استدعاء لهم إلى الاستغفار ، قاله قتادة والسدي وابن زيد . والسادس: وما كان الله معذبهم أي مهلكهم وقد علم أن لهم أولادا وذرية يؤمنون ويستغفرون.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية