الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه في ذلك قولان: أحدهما: أنهم علماء اليهود والذين يحرفونه التوراة فيجعلون الحلال حراما والحرام حلالا اتباعا لأهوائهم وإعانة لراشيهم وهذا قول مجاهد والسدي . والثاني: أنهم الذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا [ ص: 148 ]

                                                                                                                                                                                                                                        أمره وحرفوا القول في إخبارهم لقومهم، وهذا قول الربيع بن أنس وابن إسحاق. وفي كلام الله الذي يسمعونه قولان: أحدهما: أنها التوراة التي علمها علماء اليهود. والثاني: الوحي الذي كانوا يسمعونه كما تسمعه الأنبياء. وفي قوله تعالى: من بعد ما عقلوه وهم يعلمون وجهان: أحدهما: من بعد ما سمعوه، وهم يعلمون أنهم يحرفونه. والثاني: من بعد ما عقلوه، وهم يعلمون ما في تحريفه من العقاب. قوله تعالى: وإذا خلا بعضهم إلى بعض فيهم قولان: أحدهما: أنهم اليهود، إذا خلوا مع المنافقين، قال لهم المنافقون: أتحدثون المسلمين، بما فتح الله عليكم. والثاني: أنهم اليهود، قال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم وفيه أربعة أقاويل: أحدها: بما فتح الله عليكم، أي مما أذكركم الله به، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني: بما أنزل الله عليكم في التوراة، من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبعثه، ليحاجوكم به عند ربكم رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وهو قول أبي العالية وقتادة . والثالث: أنهم أرادوا قول يهود بني قريظة، حين شبههم النبي صلى الله عليه وسلم، بأنهم إخوة القردة، فقالوا: من حدثك بهذا؟ وذلك حين أرسل إليهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهذا قول مجاهد. والرابع: أن ناسا من اليهود أسلموا، ثم نافقوا فكانوا يحدثون المسلمين من [ ص: 149 ]

                                                                                                                                                                                                                                        العرب، بما عذب به (آباؤهم) فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، وهذا قول السدي. وفي فتح الله وجهان: أحدهما: بما علمكم الله. والثاني: بما قضاه الله، والفتح عند العرب القضاء والحكم، ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        ألا أبلغ بني عصم رسولا بأني عن فتاحكم غني



                                                                                                                                                                                                                                        ويقال للقاضي: الفتاح، ومنه قوله تعالى: ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق [الأعراف: 89] . قوله تعالى: ليحاجوكم به عند ربكم فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ليحاجوكم به عند ربكم فحذف ذكر الكتاب إيجازا. والثاني: ليحاجوكم به عند ربكم فتظهر له الحجة عليكم، فيكونوا أولى بالله منكم، وهذا قول الحسن . والثالث: ليحاجوكم به عند ربكم يوم القيامة، كما قال تعالى: ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون [الزمر: 31 ].

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية