الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: فلعلك باخع نفسك على آثارهم فيه وجهان: أحدهما: قاتل نفسك ، ومنه قول ذي الرمة:


                                                                                                                                                                                                                                        ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه بشيء نحته عن يديك المقادر



                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن الباخع المتحسر الأسف ، قاله ابن بحر. على آثارهم فيه وجهان: أحدهما: على آثار كفرهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: بعد موتهم.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 285 ] إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا يريد إن لم يؤمن كفار قريش بهذا الحديث يعني القرآن. أسفا فيه أربعة تأويلات: أحدها: أي غضبا ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: جزعا ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه غما ، قاله السدي.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: حزنا ، قاله الحسن ، وقد قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        أرى رجلا منهم أسيفا كأنما     تضم إلى كشحيه كفا مخضبا



                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها فيه خمسة أوجه: أحدها: أنها الأشجار والأنهار التي زين الله الأرض بها ، قاله مقاتل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنهم الرجال لأنهم زينة الأرض ، قاله الكلبي.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنهم الأنبياء والعلماء ، قاله القاسم.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أن كل ما على الأرض زينة لها ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس: أن معنى زينة لها أي شهوات لأهلها تزين في أعينهم وأنفسهم. لنبلوهم أيهم أحسن عملا فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أيهم أحسن إعراضا عنها وتركا لها ، قاله ابن عطاء.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أيهم أحسن توكلا علينا فيها ، قاله سهل بن عبد الله.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أيهم أصفى قلبا وأهدى سمتا. ويحتمل رابعا: لنختبرهم أيهم أكثر اعتبارا بها.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 286 ] ويحتمل خامسا: لنختبرهم في تجافي الحرام منها. قوله عز وجل: وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا في الصعيد ثلاثة أقاويل: أحدها: الأرض المستوية ، قاله الأخفش ومقاتل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: هو وجه الأرض لصعوده ، قاله ابن قتيبة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه التراب ، قاله أبان بن تغلب. وفي الجرز أربعة أوجه: أحدها: بلقعا ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ملساء ، وهو قول مقاتل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: محصورة ، وهو قول ابن بحر.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أنها اليابسة التي لا نبات بها ولا زرع قال الراجز:


                                                                                                                                                                                                                                        قد جرفتهن السنون الأجراز



                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية