الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: فما اسطاعوا أن يظهروه أي يعلوه. وما استطاعوا له نقبا يعني من أسفله ، قاله قتادة ، وقيل إن السد وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي مؤخرهما البحر المحيط. وقيل: ارتفاع السد مقدار مائتي ذراع ، وعرضه نحو خمسين ذراعا وأنه من حديد شبه المصمت. وروي أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رأيت السد: (قال: انعته) قال: هو كالبرد المحبر ، طريقه سوداء وطريقه حمراء . (قال: قد رأيته) . قوله عز وجل: قال هذا رحمة من ربي يحتمل وجهين: أحدهما: أن عمله رحمة من الله تعالى لعباده.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن قدرته على عمله رحمة من الله تعالى له.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 345 ] فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء قال ابن مسعود: وذلك يكون بعد قتل عيسى عليه السلام الدجال في حديث مرفوع. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنهم يدأبون في حفرهم نهارهم حتى إذا أمسوا وكادوا يبصرون شعاع الشمس قالوا نرجع غدا فنحفر بقيته ، فيعودون من الغد وقد استوى كما كان ، حتى إذا جاء أمر الله قالوا: غدا إن شاء الله ننقب بقيته ، فيرجعون إليه فينقبونه بإذن الله ، فيخرجون منه على الناس من حصونهم ، ثم يرمون نبلا إلى السماء فيرجع إليهم فيها أمثال الدماء ، فيقولون قد ظفرنا على أهل الأرض وقهرنا أهل السماء ، فيرسل الله تعالى عليهم ما يهلكهم) . فإذا جاء وعد ربي فيه قولان: أحدهما: يوم القيامة ، قاله ابن بحر.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: هو الأجل الذي يخرجون فيه. جعله دكاء يعني السد ، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: أرضا ، قاله قطرب.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: قطعا ، قاله الكلبي.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: هدما حتى اندك بالأرض فاستوى معها ، قاله الأخفش ، ومنه قول الأغلب:


                                                                                                                                                                                                                                        هل غير غاد دك غارا فانهدم



                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم القوم الذين ذكرهم ذو القرنين يوم فتح السد يموج بعضهم في بعض.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 346 ] الثاني: الكفار في يوم القيامة يموج بعضهم في بعض.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنهم الإنس والجن عند فتح السد. وفيه وجهان: أحدهما: يختلط بعضهم ببعض.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يدفع بعضهم بعضا ، مأخوذ من موج البحر.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية