الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيه قولان: أحدهما: أنه يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها كما يذري الطعام.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 426 ] الثاني: تصير كالهباء. فيذرها قاعا صفصفا في القاع ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه الموضع المستوي الذي لا نبات فيه ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: الأرض الملساء.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: مستنقع الماء ، قاله الفراء. وفي الصفصف وجهان: أحدهما: أنه ما لا نبات فيه ، قاله الكلبي.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه المكان المستوي ، كأنه قال على صف واحد في استوائه ، قاله مجاهد . لا ترى فيها عوجا ولا أمتا فيه خمسة أقاويل: أحدها: عوجا يعني واديا ، ولا أمتا يعني رابية ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: عوجا يعني صدعا ، ولا أمتا يعني أكمة ، قاله الحسن.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: عوجا يعني ميلا. ولا أمتا يعني أثرا ، وهو مروي عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: الأمت الجذب والانثناء ، ومنه قول الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                                        89 (

                                                                                                                                                                                                                                        ما في انطلاق سيره من أمت



                                                                                                                                                                                                                                        قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس: الأمت أن يغلظ مكان في الفضاء أو الجبل ، ويدق في مكان ، حكاه الصولي ، فيكون الأمت من الصعود والارتفاع. قوله تعالى: وخشعت الأصوات للرحمن قال ابن عباس: أي خضعت بالسكون ، قال الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 427 ]

                                                                                                                                                                                                                                        لما أتى خبر الزبير تصدعت     سور المدينة والجبال الخشع



                                                                                                                                                                                                                                        إلا همسا فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه الصوت الخفي ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: تحريك الشفة واللسان ، وقرأ أبي: فلا ينطقون إلا همسا.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: نقل الأقدام ، قال ابن زيد ، قال الراجز:


                                                                                                                                                                                                                                        وهن يمشين بنا هميسا



                                                                                                                                                                                                                                        يعني أصوات أخفاف الإبل في سيرها.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية