الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولا تقتلوا النفس الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن الضحاك في قوله : ولا [259ظ] تقتلوا النفس الآية . قال : كان هذا بمكة ونبي الله صلى الله عليه وسلم بها، وهو أول شيء نزل من القرآن في شأن القتل؛ كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله : من قتلكم من المشركين، فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أبا، أو وأخا، وأحدا من عشيرته، وإن كانوا مشركين فلا تقتلوا إلا قاتلكم . وهذا قبل أن تنزل "براءة"، وقبل أن يؤمروا بقتال المشركين، فذلك قوله : فلا يسرف في القتل . يقول : لا تقتل غير قاتلك . وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين، لا يحل لهم أن يقتلوا إلا قاتلهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 339 ] وأخرج البيهقي في "سننه" عن زيد بن أسلم، أن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلا، لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلا شريفا، إذا كان قاتلهم غير شريف، لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره، فوعظوا في ذلك بقول الله تعالى : ولا تقتلوا النفس . إلى قوله : فلا يسرف في القتل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق العوفي، عن ابن عباس في قوله : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا . قال : بينة من الله أنزلها، يطلبها ولي المقتول؛ القود أو العقل، وذلك السلطان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : فلا يسرف في القتل . قال : لا يكثر في القتل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، من طريق أبي صالح، عن ابن عباس في قوله : فلا يسرف في القتل . قال : لا يقتل إلا قاتل رحمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "سننه"، عن طلق بن حبيب في قوله : فلا يسرف في القتل . قال : [ ص: 340 ] لا يقتل غير قاتله، ولا يمثل به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : فلا يسرف في القتل . قال : لا يقتل اثنين بواحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : فلا يسرف في القتل . قال : لا يقتل غير قاتله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : فلا يسرف في القتل . قال : من قتل بحديدة قتل بحديدة، ومن قتل بخشبة قتل بخشبة، ومن قتل بحجر قتل بحجر، ولا يقتل غير قاتله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، ومسلم ، وأبو داود، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 341 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو داود، وابن ماجه ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أعف الناس قتلة أهل الإيمان" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو داود، عن سمرة بن جندب، وعمران بن حصين، قالا : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن يعلى بن مرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "قال الله : لا تمثلوا بعبادي" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا . يقول : ينصره السلطان حتى ينصفه من ظالمه، ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف قد عمل بحمية أهل الجاهلية، ولم يرض بحكم الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : إنه كان منصورا . قال : إن المقتول كان منصورا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 342 ] وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر ، عن الكسائي قال : هي في قراءة أبي بن كعب : (فلا تسرفوا في القتل إن وليه كان منصورا) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، وابن عساكر ، عن ابن عباس قال : إنه لما كان من أمر هذا الرجل ما كان، يعني عثمان، قلت لعلي : اعتزل، فلو كنت في جحر طلبت حتى تستخرج . فعصاني، وايم الله ليتأمرن عليكم معاوية، وذلك أن الله يقول : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية