الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وإذ قال موسى لفتاه الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن عساكر، من طريق ابن سمعان، عن مجاهد قال : كان ابن عباس يقول في هذه الآية : وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح . يقول : لا أنفك، ولا أزال، حتى أبلغ مجمع البحرين . يقول : ملتقى البحرين، أو أمضي حقبا . يقول : أو أمضي سبعين خريفا، فلما بلغا مجمع بينهما . يقول : بين البحرين، نسيا حوتهما . يقول : ذهب منهما فأخطأهما، وكان حوتا مليحا معهما يحملانه، فوثب من المكتل إلى الماء، فكان سبيله في البحر سربا، فأنسى الشيطان فتى موسى أن يذكره، وكان فتى موسى يوشع بن نون، واتخذ سبيله في البحر عجبا . يقول : موسى عجب من أثر الحوت ودوراته التي غار فيها، قال ذلك ما كنا نبغ . قول موسى : فذاك حيث أخبرت أني أجد الخضر حيث يفارقني الحوت، فارتدا على آثارهما قصصا . يقول : اتبع موسى ويوشع أثر الحوت في البحر وهما راجعان على ساحل البحر، فوجدا عبدا من عبادنا . [271و] يقول : [ ص: 576 ] فوجدا خضرا، آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما . قال الله تعالى : وفوق كل ذي علم عليم [يوسف : 76] . فصحب موسى الخضر، فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في "الأسماء والصفات"، من طريق سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل . قال ابن عباس : كذب عدو الله؛ حدثنا أبي بن كعب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل : أي الناس أعلم؟ فقال : أنا . فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك . قال موسى : يا رب، فكيف لي به؟ قال : تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم . فأخذ حوتا فجعله في مكتل، ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما، فاضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر، فاتخذ سبيله في البحر سربا ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغد، قال موسى لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا . قال : ولم يجد موسى النصب، حتى جاوز المكان الذي أمره الله به، فقال له فتاه : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [ ص: 577 ] واتخذ سبيله في البحر عجبا . قال : فكان للحوت سربا، ولموسى ولفتاه عجبا . فقال موسى : ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا . قال سفيان : يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة، لا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش . قال : وكان الحوت قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش، قال : فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب، فسلم عليه موسى، فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام! قال : أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا، قال إنك لن تستطيع معي صبرا . يا موسى، إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه . فقال موسى : ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا . فقال له الخضر : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا . فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة، فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم، فخرقتها لتغرق أهلها؟! لقد جئت شيئا إمرا . قال : ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال : لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا " .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فكانت الأولى من موسى نسيانا" . قال : "وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر في البحر نقرة، فقال له [ ص: 578 ] الخضر : ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر . ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله، فقال له موسى : (أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا) . قال : ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا . قال : وهذه أشد من الأولى، قال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه . قال : مائل . فقال الخضر بيده هكذا فأقامه، فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا، لو شئت لاتخذت عليه أجرا . قال : هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا " . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وددنا أن موسى كان صبر، حتى يقص الله علينا من خبرهما" .


                                                                                                                                                                                                                                      قال سعيد بن جبير : وكان ابن عباس يقرأ : (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) . وكان يقرأ : (وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 579 ] وأخرج البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، من طريق آخر، عن سعيد بن جبير قال : إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال : سلوني . قلت : أي أبا عباس، جعلني الله فداءك، بالكوفة رجل قاص يقال له : نوف . يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل . قال : كذب عدو الله؛ حدثني أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوما، حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب، ولى، فأدركه رجل فقال : أي رسول الله، هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال : لا . فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله . قيل : بلى . قال : أي رب، فأين؟! قال : بمجمع البحرين . قال : أي رب، اجعل لي علما أعلم به ذلك . قال : خذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح . فأخذ حوتا فجعله في مكتل، فقال لفتاه : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت . قال : ما كلفت كثيرا . قال : فبينما هو في ظل صخرة في مكان ثريان، إذ اضطرب الحوت وموسى نائم، فقال فتاه : لا أوقظه . حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره، [ ص: 580 ] وتضرب الحوت حتى دخل البحر، فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كأن أثره في حجر . قال موسى : لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا . قال : قد قطع الله عنك النصب . فرجعا فوجدا خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر، مسجى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه، وقال : هل بأرض من سلام؟! من أنت؟! قال : أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل؟! قال : نعم . قال : فما شأنك؟ قال : جئت لتعلمني مما علمت رشدا . قال : أما يكفيك أن التوراة بيديك، وأن الوحي يأتيك يا موسى . إن لي علما لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علما لا ينبغي لي أعلمه، فأخذ طائر بمنقاره من البحر، فقال : والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر . حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارا تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر، فعرفوه، فقالوا : عبد الله الصالح، لا نحمله بأجر . فخرقها ووتد فيها وتدا، قال موسى : أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا . قال : ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا . كانت الأولى نسيانا، والوسطى شرطا، والثالثة عمدا، قال : لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله . ووجد غلمانا يلعبون، فأخذ غلاما كافرا ظريفا [ ص: 581 ] فأضجعه ثم ذبحه بالسكين، فقال : أقتلت نفسا زكية : لم تعمل بالحنث" . قال : ابن عباس قرأها زكية : (زاكية) : مسلمة، كقولك : غلاما زكيا . فانطلقا فوجدا جدارا يريد أن ينقض فأقامه . قال بيده هكذا، ورفع يده فاستقام، قال : لو شئت لاتخذت عليه أجرا . قال : أجرا نأكله . وكان وراءهم ملك ، قرأها ابن عباس (وكان أمامهم ملك) يزعمون أنه هدد بن بدد، والغلام المقتول اسمه – يزعمون – جيسور، ملك يأخذ كل سفينة غصبا ، فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها، فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها، ومنهم من يقول : سدوها بقارورة . ومنهم من يقول : بالقار . فكان أبواه مؤمنين . وكان كافرا فخشينا أن [ ص: 582 ] يرهقهما طغيانا وكفرا : أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما . هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله الخضر . وزعم غير سعيد أنهما أبدلا جارية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، ومسلم ، وابن مردويه ، من وجه آخر، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس وكنا عنده، فقال القوم : إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل . فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا، فقال : كذب نوف، حدثني أبي بن كعب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجل واستحيا، وأخذته ذمامة من صاحبه، فقال له : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني . لرأى من صاحبه عجبا" . قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء، بدأ بنفسه فقال : "رحمة الله علينا وعلى صالح، رحمة الله علينا وعلى أخي عاد" . ثم قال : "إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم، إذ قال لهم : ما في الأرض أحد أعلم مني . فأوحى الله إليه : إن في الأرض من هو أعلم منك، وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا، فإذا فقدته فهو حيت تفقده . فتزود حوتا مالحا، فانطلق هو وفتاه، حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به، فلما انتهوا [ ص: 583 ] إلى الصخرة انطلق موسى يطلب، ووضع فتاه الحوت على الصخرة، فاضطرب، فاتخذ سبيله في البحر سربا . قال فتاه : إذا جاء نبي الله حدثته . فأنساه الشيطان، فانطلقا، فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال، ولم يكن يصيبه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حتى جاوز ما أمر به، فقال موسى لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا . قال له فتاه : يا نبي الله : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت أن أحدثك، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا . قال : ذلك ما كنا نبغ ، فارتدا على آثارهما قصصا : يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة، فأطاف بها، فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم، فرفع رأسه فقال له : من أنت؟ قال : موسى . قال : من موسى؟ قال : موسى بني إسرائيل . قال : فما لك؟ قال : أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك قال : إنك لن تستطيع معي صبرا . قال : ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا . قال : كيف تصبر على ما لم تحط به [ ص: 584 ] خبرا . قال : قد أمرت أن أفعله، ستجدني إن شاء الله صابرا . قال : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ، فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة ، فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها، فقال له موسى : تخرقها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا . قال : ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا . قال : لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا . فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام، ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه، فأخذه فقتله، فنفر موسى عند ذلك وقال : أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال : ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا . قال : فأخذته ذمامة من صاحبه واستحيا فقال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية . وقد أصاب موسى جهد شديد، فلم يضيفوهما، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه . قال له موسى مما نزل به من الجهد : لو شئت لاتخذت عليه أجرا . قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا . فأخذ موسى بطرف ثوبه، فقال : حدثني . فقال : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم [ ص: 585 ] ملك يأخذ كل سفينة غصبا . فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب، فانتفعوا بها . وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا، وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه، ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا، فأراد ربك أن يبدلهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما، فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين " إلى آخر الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال : جلست عند ابن عباس وعنده نفر من أهل الكتاب، فقال بعضهم : إن نوفا يزعم عن كعب، أن موسى النبي الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا . فقال ابن عباس : كذب نوف؛ حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال : أي رب، إن كان في عبادك أحد هو أعلم مني فدلني عليه . فقال له : نعم، في عبادي من هو أعلم منك . ثم نعت له مكانه، وأذن له في لقيه، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح، قد [271ظ] قيل له : إذا حيي هذا الحوت في مكان، فصاحبك هنالك، وقد أدركت حاجتك . فخرج موسى ومعه فتاه ومعه [ ص: 586 ] ذلك الحوت يحملانه، فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة، وإن ذلك الماء ماء الحياة، من شرب منه خلد، ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي، فاتخذ سبيله في البحر سربا . فانطلقا، فلما جاوزا قال موسى لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا . قال الفتى وذكر : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا . قال ابن عباس : فظهر موسى على الصخرة حين انتهى إليها، فإذا رجل ملتف في كساء له فسلم موسى، فرد عليه، ثم قال له : ما جاء بك؟ إن كان لك في قومك لشغل . قال له موسى : جئتك لتعلمني مما علمت رشدا . قال : إنك لن تستطيع معي صبرا - وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك - فقال موسى : بلى . قال : وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا . أي : إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل، ولم تحط من علم الغيب بما أعلم . قال : ستجدني إن شاء الله صابرا، ولا أعصي لك أمرا وإن رأيت ما يخالفني . قال : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا . فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان [ ص: 587 ] الناس، يلتمسان من يحملهما، حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة، لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها، فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما، فلما اطمأنا فيها ولججت بهما مع أهلها، أخرج منقارا له ومطرقة، ثم عمد إلى ناحية منها، فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها، ثم أخذ لوحا فطبقه عليها، ثم جلس عليها يرقعها، فقال له موسى - ورأى أمرا فظع به - : أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا . حملونا وآوونا إلى سفينتهم، وليس في البحر سفينة مثلها، فلم خرقتها لتغرق أهلها؟! لقد جئت شيئا إمرا . قال : ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا . قال : لا تؤاخذني بما نسيت . أي : بما تركت من عهدك، ولا ترهقني من أمري عسرا . ثم خرجا من السفينة، فانطلقا حتى أتيا أهل قرية، فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه، فأخذ بيده وأخذ حجرا، فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله، فرأى موسى أمرا فظيعا لا صبر عليه؛ صبي صغير قتله لا ذنب له، قال : أقتلت نفسا [ ص: 588 ] زكية . أي : صغيرة، بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا . قال : ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا . قال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا . أي : قد عذرت في شأني، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ، فهدمه ثم قعد يبنيه، فضجر موسى مما يراه يصنع من التكلف لما ليس عليه صبر، فقال : لو شئت لاتخذت عليه أجرا . أي : قد استطعمناهم فلم يطعمونا، وضفناهم فلم يضيفونا، ثم قعدت تعمل في غير ضيعة؟ ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك! قال : هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا - في قراءة أبي بن كعب : (كل سفينة صالحة) - وإنما عبتها لأرده عنها، فسلمت [ ص: 589 ] منه حين رأى العيب الذي صنعت بها، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري . أي : ما فعلته عن نفسي، ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا . فكان ابن عباس يقول : ما كان الكنز إلا علما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قام موسى خطيبا لبني إسرائيل، فأبلغ في الخطبة، وعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي، وعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له : يا موسى، إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك . قال : فادللني عليه حتى أتعلم منه . قال : يدلك عليه بعض زادك . فقال لفتاه يوشع : لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا . فكان في ما تزوداه حوتا مملحا، وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر، وضع فتاه المكتل على ساحل البحر، فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل، فقلب المكتل وانسرب في البحر، فلما جاوزا حضر الغداء، [ ص: 590 ] فقال : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا . ذكر الفتى، قال : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا . فذكر موسى ما كان عهد إليه : إنه يدلك عليه بعض زادك . قال : ذلك ما كنا نبغ . أي : هذه حاجتنا، فارتدا على آثارهما قصصا : يقصان آثارهما، حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل، وأبصر موسى أثر الحوت، فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر البحر، فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما . قال له موسى : هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا . فأقر له بالعلم، قال : إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا . قال : ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا . قال : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا . يقول : حتى أكون أنا أحدث ذلك لك . فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها . إلى قوله : فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما على ساحل البحر في غلمان يلعبون، فعمد إلى أجودهم وأصبحهم فقتله، قال : أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا . قال : ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا . قال ابن عباس : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فاستحيا نبي الله موسى عند ذلك فقال : إن سألتك عن [ ص: 591 ] شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا . فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها - إلى قوله - : سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا " . أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا - قال : وهي في قراءة أبي بن كعب : (يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) - فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك، فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين . إلى قوله : وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة . إلى قوله : ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا . قال : فجاء طائر هذه الحمرة فيلغ، فجعل يغمس منقاره في البحر، فقال له : يا موسى، ما يقول هذا الطائر؟ قال : لا أدري . قال : هذا يقول : ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الروياني، وابن عساكر ، من وجه آخر، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل، إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه، فأوحى الله إليه أني قد علمت ما حدثت به نفسك، فإن من عبادي رجلا أعلم منك، يكون على ساحل البحر، فأته فتعلم منه، [ ص: 592 ] واعلم أنه الدال لك على مكانه زادك الذي تزودته، فأينما فقدته فهناك مكانه . ثم خرج موسى وفتاه حملا جميعا حوتا مالحا في مكتل، وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتا، حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر، فمضى موسى وجلس فتاه يشرب منها، فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين، ثم جرى فيه حتى وقع في البحر، فذلك قوله تعالى : فاتخذ سبيله في البحر سربا . فانطلق حتى لحق موسى، فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا . قال : ففقد الحوت، فقال : فإني نسيت الحوت الآية . يعني فتى موسى، اتخذ سبيل الحوت في البحر عجبا، قال : ذلك ما كنا نبغ . إلى : قصصا . فانتهيا إلى الصخرة، فأطاف بها موسى فلم ير شيئا، ثم صعد، فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم، فسلم عليه موسى، فرفع رأسه، فقال : أنى السلام بهذا المكان؟ من أنت؟ قال : موسى بني إسرائيل . قال : فما كان لك في قومك شغل عني؟ قال : إني أمرت بك . فقال الخضر : إنك لن تستطيع معي صبرا . قال : ستجدني إن شاء الله صابرا الآية . قال : فإن اتبعتني [ ص: 593 ] الآية . فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر، فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم، فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه، فخرق بها السفينة، قال : أخرقتها لتغرق أهلها الآية . قال : ألم أقل الآية . قال : لا تؤاخذني الآية . فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية، فوجدا صبيانا يلعبون يريدون القرية، فأخذ الخضر غلاما منهم وهو أحسنهم وأنظفهم فقتله، قال له موسى : أقتلت نفسا زكية الآية . قال : ألم أقل لك الآية . قال : إن سألتك الآية . فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد، فاستطعموهم فلم يطعموهم، فرأى الجدار مائلا، فمسحه الخضر بيده فاستوى، فقال : لو شئت لاتخذت عليه أجرا . قال له موسى : قد ترى جهدنا وحاجتنا، لو سألتهم عليه أجرا أعطوك فنتعشى به . قال : هذا فراق بيني وبينك . قال : فأخذ موسى بثوبه فقال : أنشدك الصحبة لما أخبرتني عن تأويل ما رأيت؟ قال : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر الآية . خرقتها لأعيبها، فلم تؤخذ، فأصلحها [ ص: 594 ] أهلها فانتفعوا بها، وأما الغلام فإن الله جبله كافرا، وكان أبواه مؤمنين، فلو عاش لأرهقهما طغيانا وكفرا، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق العوفي، عن ابن عباس قال : لما ظهر موسى وقومه على مصر، أنزل قومه مصر، فلما استقرت بهم الدار، أنزل الله، أن ذكرهم بأيام الله . فخطب قومه، فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعم، وذكرهم إذ أنجاهم الله من آل فرعون، وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض، وقال : كلم الله موسى نبيكم تكليما، واصطفاني لنفسه، وأنزل علي محبة منه، وآتاكم من كل شيء سألتموه، فنبيكم أفضل أهل الأرض، وأنتم تقرءون التوراة . فلم يترك نعمة أنعمها الله عليهم إلا عرفهم إياها، فقال له رجل من بني إسرائيل : فهل على الأرض أعلم منك يا نبي الله؟ قال : لا . فبعث الله جبريل إلى موسى، فقال : إن الله يقول : وما يدريك أين أضع علمي؟ بلى، إن على شط البحر رجلا أعلم . فقال ابن عباس : هو الخضر . فسأل موسى ربه أن يريه إياه، فأوحى الله إليه، أن ائت البحر، فإنك [ ص: 595 ] تجد على ساحل البحر حوتا، فخذه فادفعه [272و] إلى فتاك، ثم الزم شط البحر، فإذا نسيت الحوت وهلك منك، فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب . فلما طال سفر موسى ونصب فيه، سأل فتاه عن الحوت، قال : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره لك . قال الفتى : لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا . فأعجب ذلك موسى، فرجع حتى أتى الصخرة، فوجد الحوت، فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى، وجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء يتبع الحوت، وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة، فجعل نبي الله يعجب من ذلك، حتى انتهى الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر، فلقي الخضر بها فسلم عليه، فقال الخضر : وعليك السلام، وأنى يكون هذا السلام بهذه الأرض؟ ومن أنت؟ قال : أنا موسى . فقال له الخضر : أصاحب بني إسرائيل؟ فرحب به وقال : ما جاء بك؟ قال : جئتك على أن تعلمني مما علمت رشدا . قال : إنك لن تستطيع معي صبرا . يقول : لا تطيق ذلك . قال موسى : ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا . فانطلق به وقال له : لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه . فذلك قوله : حتى أحدث لك منه ذكرا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 596 ] وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والخطيب ، وابن عساكر ، من طريق هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس قال : سأل موسى ربه فقال : رب، أي عبادك أحب إليك؟ قال : الذي يذكرني ولا ينساني . قال : فأي عبادك أقضى؟ قال : الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى . قال : فأي عبادك أعلم؟ قال : الذي يبتغي علم الناس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى، أو ترده عن ردى . قال : وقد كان موسى حدث نفسه أنه ليس أحد أعلم منه، فلما أن قيل له : الذي يبتغي علم الناس إلى علمه . قال : رب، فهل في الأرض أحد أعلم مني؟ قال : نعم . قال : فأين هو؟ قيل له : عند الصخرة التي عندها العين . فخرج موسى يطلبه حتى كان ما ذكر الله، وانتهى موسى إليه عند الصخرة، فسلم كل واحد منهما على صاحبه، فقال له موسى : إني أريد أن تصحبني . قال : إنك لن تطيق صحبتي . قال : بلى . قال : فإن صحبتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا . فسار به في البحر، حتى انتهى إلى مجمع البحور، وليس في البحر مكان أكثر ماء منه . قال : وبعث الله الخطاف، فجعل يستقي منه بمنقاره، فقال لموسى : كم ترى هذا الخطاف رزأ بمنقاره من الماء؟ قال : ما أقل ما رزأ . قال : يا موسى، فإن علمي وعلمك [ ص: 597 ] في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء - وذكر تمام الحديث في خرق السفينة، وقتل الغلام، وإصلاح الجدار - فكان قول موسى في الجدار لنفسه يطلب شيئا من الدنيا، وكان قوله في السفينة وفي الغلام لله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني في "الأفراد"، وابن عساكر ، من طريق مقاتل بن سليمان، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : الخضر ابن آدم لصلبه، ونسئ له في أجله حتى يكذب الدجال .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والبخاري ، والترمذي ، وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إنما سمي الخضر خضرا لأنه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر ، عن مجاهد قال : إنما سمي الخضر لأنه إذا صلى اخضر ما حوله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن ابن إسحاق قال : حدثنا أصحابنا أن آدم عليه السلام [ ص: 598 ] لما حضره الموت جمع بنيه فقال : يا بني، إن الله منزل على أهل الأرض عذابا، فليكن جسدي معكم في المغارة، حتى إذا هبطتم فابعثوا بي وادفنوني بأرض الشام . فكان جسده معهم، فلما بعث الله نوحا ضم ذلك الجسد، وأرسل الله الطوفان على الأرض، فغرقت الأرض زمانا، فجاء نوح حتى نزل بابل، وأوصى بنيه الثلاثة؛ وهم سام ويافث وحام، أن يذهبوا بجسده إلى الغار الذي أمرهم أن يدفنوه به، فقالوا : الأرض وحشة لا أنيس بها ولا نهتدي الطريق، ولكن كف حتى يأمن الناس ويكثروا . فقال لهم نوح : إن آدم قد دعا الله أن يطيل عمر الذي يدفنه إلى يوم القيامة . فلم يزل جسد آدم حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه، فأنجز الله له ما وعده، فهو يحيا ما شاء الله له أن يحيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال : الخضر أمه رومية وأبوه فارسي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 599 ] وأخرج الحاكم وصححه عن أبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لما لقي موسى الخضر، جاء طير فألقى منقاره في الماء، فقال الخضر لموسى : تدري ما يقول هذا الطائر؟ قال : وما يقول؟ قال : يقول : ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من الماء" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في "تاريخه" والترمذي ، والبزار وحسنه، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : وكان تحته كنز لهما : "ذهب وفضة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء في قوله : وكان تحته كنز لهما . قال : أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم، وأحلت لنا الغنائم وحرمت علينا الكنوز .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي ذر رفعه قال : "إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من ذهب مصمت، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم نصب! وعجبت لمن ذكر النار ثم ضحك! وعجبت لمن ذكر الموت ثم غفل! لا إله [ ص: 600 ] إلا الله، محمد رسول الله" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الشيرازي في "الألقاب"، من طريق عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال : كان اللوح الذي ذكر الله تعالى في كتابه : وكان تحته كنز لهما حجارة، منقور فيها : بسم الله الرحمن الرحيم، عجبا لمن يعلم أن القدر حق كيف يحزن! وعجبا لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح! وعجبا لمن يرى الدنيا وغرورها وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها! لا إله إلا الله، محمد رسول الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الخرائطي في "قمع الحرص"، والبيهقي في ""الزهد""، وابن عساكر ، من طريق أبي حازم، عن ابن عباس في قوله : وكان تحته كنز لهما . قال : لوح من ذهب، مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم، عجبا لمن يعرف الموت كيف يفرح! وعجبا لمن يعرف النار كيف يضحك! وعجبا لمن يعرف الدنيا وتحولها بأهلها كيف يطمئن إليها! وعجبا لمن يؤمن بالقضاء والقدر، كيف ينصب في طلب الرزق! وعجبا لمن يؤمن بالحساب كيف [ ص: 601 ] يعمل الخطايا، لا إله إلا الله، محمد رسول الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : وكان تحته كنز لهما . قال : "لوح من ذهب مكتوب فيه : شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمدا رسول الله، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن! عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح! عجبت لمن تفكر في تقلب الليل والنهار ويأمن فجاءتها حالا فحالا!" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس : وكان تحته كنز لهما . قال : علم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس : وكان تحته كنز لهما . قال : ما كان ذهبا ولا فضة، كان صحفا علما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن علي بن أبي طالب في قوله : وكان تحته كنز لهما . قال : كان لوح من ذهب مكتوب فيه : لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عجبا لمن يذكر الموت حق كيف يفرح! [ ص: 602 ] وعجبا لمن يذكر أن النار حق كيف يضحك! وعجبا لمن يذكر أن القدر حق كيف يحزن! وعجبا لمن يرى الدنيا وتصرفها بأهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها !

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الختلي في "الديباج" عن مجاهد قال : كان الكنز لوحا من ذهب، في أحد جانبيه : لا إله إلا الله، الواحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد . وكان في الجانب الآخر : عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح! وعجبا لمن أيقن بالنار كيف يضحك! وعجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم هو يطمئن إليها! وعجبا لمن أيقن بالحساب غدا ثم لا يعمل!

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : وكان أبوهما صالحا . قال : كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المبارك ، وسعيد بن منصور ، وأحمد في "الزهد"، والحميدي في "مسنده"، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه، عن ابن عباس في قوله : وكان أبوهما صالحا . قال : [ ص: 603 ] حفظا بصلاح أبيهما، وما ذكر عنهما صلاحا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده، وولد ولده، ويحفظه في دويرته والدويرات حوله، فما يزالون في ستر من الله وعافية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يصلح بصلاح الرجل الصالح ولده، وولد ولده، وأهل دويرته، وأهل دويرات حوله، فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرجه ابن المبارك، وابن أبي شيبة ، والحميدي في "مسنده"، عن محمد بن المنكدر موقوفا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في "الزهد" عن كعب قال : إن الله تعالى يخلف العبد المؤمن في ولده ثمانين عاما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "الأسماء والصفات" عن ابن عباس قال : بينما موسى يخاطب الخضر والخضر يقول : ألست نبي بني إسرائيل، فقد أوتيت من [ ص: 604 ] العلم ما تكتفي به؟ . وموسى يقول له : إني قد أمرت باتباعك . والخضر يقول : إنك لن تستطيع معي صبرا . فبينا هو يخاطبه إذ جاء عصفور فوقع على شاطئ البحر، فنقر منه نقرة ثم طار فذهب، فقال الخضر لموسى : يا موسى، هل رأيت الطير أصاب من البحر؟ قال : نعم . قال : ما أصبت أنا وأنت من العلم في علم الله إلا بمنزلة ما أصاب هذا الطير من هذا البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين . قال : حتى أنتهي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : مجمع البحرين . قال : بحر فارس والروم، هما بحر المشرق والمغرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي بن كعب في قوله : مجمع البحرين . قال : إفريقية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله : مجمع البحرين . قال : طنجة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : مجمع البحرين . قال : [ ص: 605 ] الكر والرس حيث يصبان في البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : أو أمضي حقبا . قال : دهرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : أو أمضي حقبا . قال : سبعين خريفا . وفي قوله : فلما بلغا مجمع بينهما . قال : بين البحرين، نسيا حوتهما . قال : أضلاه في البحر، واتخذ سبيله في البحر عجبا . قال : موسى تعجب من أثر الحوت ودوراته التي غاب فيها، فارتدا على آثارهما قصصا . قال : اتباع موسى وفتاه أثر الحوت حيث يشق البحر، راجعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : نسيا حوتهما . قال : كان مملوحا مشقوق البطن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله : فاتخذ سبيله في البحر سربا . قال : أثره يابس في البحر كأنه في حجر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله [ ص: 606 ] صلى الله عليه وسلم : "ما أنجاب ماء منذ كان الناس غيره، ثبت مكان الحوت الذي دخل منه، منجابا كالكوة، حتى رجع إليه موسى فرأى مسلكه قال : ذلك ما كنا نبغ . فارتدا على آثارهما قصصا . أي : يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى مدخل الحوت" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : فاتخذ سبيله في البحر سربا . قال : جاء فرأى جناحيه في الطين حين وقع في الماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : فاتخذ سبيله في البحر سربا . قال : حشر الحوت في البطحاء بعد موته حين أحياه الله، ثم اتخذ فيها سربا حتى وصل إلى البحر، والسرب طريق، حتى وصل إلى الماء وهي بطحاء يابسة في البر، بعدما أكل منه دهرا طويلا وهو زاده، ثم أحياه الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، أن موسى عليه السلام شق الحوت وملحه وتغدى منه وتعشى، فلما كان من الغد قال لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 607 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : في قراءة أبي : (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكركه) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : أتى الحوت على عين في البحر يقال لها : عين الحياة . فلما أصاب تلك العين رد الله إليه روحه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : فارتدا على آثارهما قصصا . قال : عودهما على بدئهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : فوجدا عبدا من عبادنا . قال : لقيا رجلا عالما يقال له : خضر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن أبي بن كعب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "شممت ليلة أسري بي رائحة طيبة فقلت : يا جبريل ، ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال : ريح قبر الماشطة وابنيها وزوجها . وكان بدء ذلك أن الخضر كان من أشراف بني إسرائيل، وكان ممره براهب في صومعة، فيطلع عليه الراهب فيعلمه الإسلام، وأخذ عليه ألا يعلمه أحدا، ثم إن أباه زوجه امرأة فعلمها الإسلام، وأخذ عليها ألا تعلمه أحدا، وكان لا يقرب النساء، ثم زوجه أخرى فعلمها الإسلام، وأخذ عليها ألا تعلمه أحدا، ثم طلقها فأفشت عليه إحداهما وكتمت الأخرى، فخرج هاربا حتى أتى جزيرة في البحر، فرآه رجلان، فأفشى عليه أحدهما وكتم الآخر، فقيل له : ومن رآه معك؟ قال : فلان . وكان في [ ص: 608 ] دينهم أن من كذب قتل، فسئل فكتم، فقتل الذي أفشى عليه، ثم تزوج الكاتم عليه المرأة الكاتمة، فبينا هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقالت : تعس فرعون . فأخبرت الجارية أباها، فأرسل إلى المرأة وابنها وزوجها، فأرادهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا، فقال : إني قاتلكم . قالوا : أحببنا منك إن أنت قتلتنا أن تجعلنا في قبر واحد . فقتلهم وجعلهم في قبر واحد" . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما شممت رائحة أطيب منها وقد دخلت الجنة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : إنما سمي الخضر لأنه كان إذا جلس مكانا اخضر ما حوله، وكانت ثيابه خضرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : إنما سمي الخضر لأنه كان إذا قام مكانا نبت العشب تحت رجليه حتى يغطي قدميه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : آتيناه رحمة من عندنا . قال : أعطيناه الهدى والنبوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : ركبا في السفينة . قال : إنما كانت معبرا في ماء الكر؛ فرسخ في فرسخ .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 609 ] وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : "(ليغرق أهلها)" بالياء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : لقد جئت شيئا إمرا . يقول : نكرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : شيئا إمرا . يقول : منكرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد "الزهد"، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : [272ظ] شيئا إمرا . قال : عجبا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر في قوله : شيئا إمرا . قال : عظيما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب في قوله : لا تؤاخذني بما نسيت . قال : لم ينس، ولكنها من معاريض الكلام .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 610 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : لا تؤاخذني بما نسيت . قال : هذا من معاريض الكلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، من طريق حماد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب، عن أبي العالية قال : كان الخضر عبدا لا تراه الأعين، إلا من أراد الله أن يريه إياه، فلم يره من القوم إلا موسى، ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين خرق السفينة وبين قتل الغلام . قال حماد : وكانوا يرون أن موت الفجأة من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز في قوله : لقيا غلاما . قال : كان غلاما ابن عشرين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال : لما قتل الخضر الغلام، ذعر موسى ذعرة منكرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (نفسا زاكية) . قال : تائبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ (أقتلت نفسا زاكية) . قال سعيد : زكية : مسلمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : نفسا زكية قال : لم تبلغ الخطايا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية، أنه كان يقرأ : (زاكية) . يقول : تائبة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 611 ] وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، عن الحسن في قوله : (نفسا زاكية) . قال : تائبة . يعني صبيا لم يبلغ .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله بن أحمد ، في زوائد "الزهد"، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : شيئا نكرا . قال : النكر أنكر من العجب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن عطاء قال : كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن قتل الصبيان، فكتب إليه : إن كنت الخضر تعرف الكافر من المؤمن فاقتلهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن يزيد بن هرمز قال : كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن قتل الولدان، ويقول في كتابه : إن العالم صاحب موسى قد قتل الوليد . قال يزيد : أنا كتبت كتاب ابن عباس بيدي إلى نجدة : إنك كتبت تسأل عن قتل الولدان، وتقول في كتابك : إن العالم صاحب موسى قد قتل الوليد . ولو كنت تعلم من الولدان ما علم ذلك العالم من ذلك الوليد، قتلته، ولكنك لا تعلم، قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم، فاعتزلهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم ، عن ابن أبي مليكة قال : سئل ابن عباس عن الولدان : أفي الجنة هم؟ قال : حسبك ما اختصم فيه موسى [ ص: 612 ] والخضر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم، وأبو داود، والترمذي ، وعبد الله بن أحمد في زوائد "المسند"، وابن مردويه ، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا، ولو أدرك لأرهق أبويه طغيانا وكفرا" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، عن أبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : " إن سألتك عن شيء بعدها " . مهموزتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود، والترمذي ، وعبد الله بن أحمد ، والبزار ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه ، عن أبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : " من لدني عذرا " . مثقلة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 613 ] وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن السدي في قوله : أتيا أهل قرية . قال : كانت القرية تسمى باجروان، وكان أهلها لئاما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال : أتيا الأبلة، وهي أبعد أرض الله من السماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق قتادة ، عن ابن عباس في قوله : أتيا أهل قرية . قال : هي أبرقة . قال : وحدثني رجل أنها أنطاكية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن أيوب بن موسى قال : بلغني أن المسألة للمحتاج حسنة، ألا تسمع أن موسى وصاحبه استطعما أهلها؟

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : " فأبوا أن يضيفوهما " مشددة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج النسائي ، وابن مردويه ، والديلمي، عن أبي بن كعب رفعه في قوله : فأبوا أن يضيفوهما . قال : "كانوا أهل قرية لئاما" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 614 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : يريد أن ينقض . قال : يسقط .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن الأنباري في "المصاحف"، وابن مردويه ، عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قرأ : "فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فهدمه ثم قعد يبنيه" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : فأقامه . قال : رفع الجدار بيده فاستقام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر ، عن هارون قال : في حرف عبد الله : لو شئت لاتخذت عليه أجرا

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، عن أبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : "(لو شئت لتخذت عليه أجرا)" . مخففة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق محمد بن كعب القرظي قال : قال عمر بن الخطاب ورسول الله يحدثهم بهذا الحديث حتى فرغ من القصة : يرحم الله موسى، وددنا أنه لو صبر حتى يقص علينا من حديثهما .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 615 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو داود، والترمذي ، والنسائي ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رحمة الله علينا وعلى موسى - فبدأ بنفسه - لو كان صبر لقص علينا من خبره، ولكن قال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : فأردت أن أعيبها . قال : أخرقها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ : "(وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن الأنباري عن أبي بن كعب، أنه قرأ : (يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت تقرأ في الحرف الأول : (كل سفينة صالحة غصبا) . قال : وكان لا يأخذ إلا خيار السفن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر ، عن أبي الزاهرية قال : كتب عثمان : (وكان [ ص: 616 ] وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال : كان اسم الغلام الذي قتله الخضر جيسور .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ : (وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، عن قتادة قال : في حرف أبي : (وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : فخشينا . قال : فأشفقنا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : هي في مصحف عبد الله : (فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرا) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا . قال : خشينا أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 617 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن مطر في الآية قال : لو بقي كان فيه بورهما واستئصالهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، والبيهقي في "الشعب"، عن قتادة قال : قال مطرف بن الشخير : إنا لنعلم أنهما قد فرحا به يوم ولد، وحزنا عليه يوم قتل، ولو عاش لكان فيه هلاكهما، فرضي رجل بما قسم الله له، فإن قضاء الله للمؤمن خير من قضائه لنفسه، وما قضى الله لك فيما تكره خير مما قضى لك في ما تحب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : خيرا منه زكاة . قال : إسلاما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عطية في قوله : خيرا منه زكاة . قال : دينا، وأقرب رحما . قال : هما به أرحم منهما بالغلام . وفي لفظ قال : بر الوالدين، فأبدلا جارية ولدت نبيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : خيرا منه زكاة . قال : دينا، وأقرب رحما . قال : مودة، فأبدلا جارية ولدت نبيا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 618 ] وأخرج ابن المنذر ، من طريق بسطام بن جميل، عن يوسف بن عمر في الآية قال : أبدلهما جارية مكان الغلام ولدت نبيين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : وكان تحته كنز لهما . قال : كان الكنز لمن قبلنا وحرم علينا، وحرمت الغنيمة على من كان قبلنا وأحلت لنا، فلا يعجبن الرجل فيقول : ما شأن الكنز أحل لمن قبلنا وحرم علينا؟ فإن الله يحل من أمره ما يشاء ويحرم ما يشاء، وهي السنن والفرائض، تحل لأمة وتحرم على أخرى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في "الزهد"، وابن أبي حاتم ، عن خيثمة قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : طوبى لذرية المؤمن، ثم طوبى لهم، كيف يحفظون من بعده . وتلا خيثمة : وكان أبوهما صالحا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن وهب قال : إن الله ليحفظ بالعبد الصالح القبيل من الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق بقية، عن سليمان بن سليم أبي سلمة [ ص: 619 ] قال : مكتوب في التوراة : إن الله ليحفظ القرن إلى القرن إلى سبعة قرون، وإن الله ليهلك القرن إلى القرن إلى سبعة [273و] قرون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في "الزهد" عن وهب قال : إن الرب تبارك وتعالى قال في بعض ما يقول لبني إسرائيل : إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي ناهية، وإذا عصيت غضبت، وإذا غضبت ولعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن وهب قال : يقول الله : اتقوا غضبي، فإن غضبي يدرك إلى ثلاثة آباء، وأحبوا رضائي، فإن رضائي يدرك في الأمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : وما فعلته عن أمري . قال : كان عبدا مأمورا مضى لأمر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : قال موسى لفتاه يوشع بن نون : لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين . فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا، واستقى ماء، حتى انتهيا إلى الصخرة التي إياها أرادا، هاجت ريح، فاشتبه عليه المكان، ونسيا عليه الحوت، ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام، فقال لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا . يعني جهدا في السير . فقال الفتى لموسى : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت [ ص: 620 ] الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره . قال : فسمعنا عن ابن عباس ، أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب، أن موسى دعا ربه فسأله ومعه ماء عذب في سقاء، فصب من ذلك الماء في البحر، وانصب على أثره، فصار حجرا أبيض أجوف، فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد، فصعدها وهو متشرف، هل يرى ذلك الرجل؟ حتى كاد يسيء الظن، ثم رآه فقال : السلام عليك يا خضر . فقال : عليك السلام يا موسى . قال : من حدثك أني أنا موسى؟ قال : حدثني الذي حدثك أني أنا خضر . قال : إني أريد أن أصحبك قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا وإنه تقدم إليه فنصحه، فقال : إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا . وذلك أن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط، ولم يكن شهده، ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا، فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه، قال : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا : إن عجلت علي في ثلاث، فذلك حين أفارقك . فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة، فناداهم خضر : يا أصحاب السفينة، هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم . وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم : إنا نرى رجالا في مكان مخوف؛ إنما يكون ههنا لصوص، فلا تحملهم . فقال صاحب السفينة : إني أرى رجالا [ ص: 621 ] على وجوههم النور، لأحملنهم . فقال الخضر : بكم حملت هؤلاء؟ كل رجل حملت في سفينتك فلك بكل رجل منا الضعف . فحملهم، فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض وقد أمر صاحب القرية إن أبصروا كل سفينة صالحة ليس بها عيب فأتوني بها . وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها، فخرقها فنبع فيها الماء، وإن موسى امتلأ غضبا، قال : أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا . وإن موسى شد عليه ثيابه، وأراد أن يقذف الخضر في البحر، فقال : أردت هلاكهم، فستعلم أنك أول هالك . فجعل موسى كلما ازداد غضبا استعر البحر، وكلما سكن كان البحر كالدهن، وإن يوشع بن نون قال لموسى : ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك؟ وإن الخضر أقبل عليه، قال : ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ؟ وإن موسى أدركه عند ذلك العلم، فقال : لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فلما انتهوا إلى القرية قال خضر : ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق . وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة، فقال : إنما أردت الذي هو خير لك . فحمدوا رأيه في آخر الحديث، وأصلحها الله كما كانت . ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب، عهد إلى الخضر أن اقتله، فقتله قال : (أقتلت نفسا [ ص: 622 ] زاكية بغير نفس) . إلى قوله : قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا . وإن خضرا أقبل عليه فقال : قد وفيت لك بما جعلت على نفسي، هذا فراق بيني وبينك ، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين، فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه، فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد، وأبدلهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه وأقرب رحما، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما، فورثا ذلك العلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، من طريق الحسن بن عمارة، عن أبيه قال : قيل لابن عباس : لم نسمع - يعني موسى - يذكر من حديث فتاه وقد كان معه؟ فقال ابن عباس في ما يذكر من حديث الفتى، قال : شرب الفتى من الماء فخلد، فأخذه العالم فطابق به سفينة، ثم أرسله في البحر، فإنها لتموج به إلى يوم القيامة، وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير : الحسن متروك، وأبوه غير معروف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن عساكر ، عن يوسف بن أسباط قال : بلغني أن الخضر قال لموسى لما أراد أن يفارقه : يا موسى، تعلم العلم لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به . وبلغني أن موسى قال للخضر : ادع لي . فقال الخضر : يسر الله عليك طاعته .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 623 ] وأخرج أحمد في "الزهد" عن وهب قال : قال الخضر لموسى حين لقيه : يا موسى، انزع عن اللجاجة، ولا تمش في غير حاجة، ولا تضحك من غير عجب، والزم بيتك، وابك على خطيئتك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وابن عساكر ، عن أبي عبد الله، أظنه الملطي، قال : أراد موسى أن يفارق الخضر، فقال له موسى: أوصني . قال : كن نفاعا ولا تكن ضرارا، كن بشاشا ولا تكن غضبانا، ارجع عن اللجاجة، ولا تمش في غير حاجة، ولا تعير امرأ بخطيئته، وابك على خطيئتك يا ابن عمران .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن وهب، أن الخضر قال لموسى : يا موسى، إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج العقيلي عن كعب قال : الخضر على منبر بين البحر الأعلى والبحر الأسفل، وقد أمرت دواب البحر أن تسمع له وتطيع، وتعرض عليه الأرواح غدوة وعشية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 624 ] وأخرج ابن شاهين عن خصيف قال : أربعة من الأنبياء أحياء؛ اثنان في السماء، عيسى وإدريس، وإثنان في الأرض الخضر وإلياس، فأما الخضر، فإنه في البحر . وأما صاحبه، فإنه في البر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الخطيب ، وابن عساكر ، عن علي بن أبي طالب قال : بينا أنا أطوف بالبيت، إذا رجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول : يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا تغلطه المسائل، ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين، أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك . قلت : يا عبد الله، أعد الكلام . قال : وسمعته؟ قلت : نعم . قال : والذي نفس الخضر بيده : - وكان هو الخضر - لا يقولهن عبد دبر الصلاة المكتوبة، إلا غفرت ذنوبه وإن كانت مثل رمل عالج وعدد المطر وورق الشجر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ في "العظمة"، وأبو نعيم في "الحلية"، عن كعب الأحبار قال : إن الخضر بن عاميل ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ بحر الهند - وهو بحر الصين - فقال لأصحابه : يا أصحابي، دلوني . فدلوه في البحر أياما وليالي ثم صعد، فقالوا له : يا خضر ما رأيت، فلقد أكرمك الله [ ص: 625 ] وحفظ لك نفسك في لجة هذا البحر؟ فقال : استقبلني ملك من الملائكة، فقال لي : أيها الآدمي الخطاء، إلى أين؟ ومن أين؟ فقلت : أردت أن أنظر عمق هذا البحر . فقال لي : كيف وقد أهوى رجل من زمان داود عليه السلام، لم يبلغ ثلث قعره حتى الساعة، وذلك منذ ثلاثمائة سنة! .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن بقية قال : حدثني أبو سعيد قال : سمعت أن آخر كلمة أوصى بها الخضر موسى حين فارقه : إياك أن تعير مسيئا بإساءته فتبتلى .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الطبراني ، وابن عساكر ، عن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : "ألا أحدثكم عن الخضر؟" . قالوا : بلى يا رسول الله . قال : "بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل، أبصره رجل مكاتب، فقال : تصدق علي بارك الله فيك . فقال الخضر : آمنت بالله، ما شاء الله من أمر يكون، ما عندي شيء أعطيكه . فقال المسكين : أسألك بوجه الله لما تصدقت علي، فإني نظرت السيما في وجهك، ووجدت البركة عندك . فقال الخضر : آمنت بالله، ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني . فقال المسكين : وهل يستقيم هذا؟ قال : نعم، الحق أقول، لقد سألتني بأمر عظيم، أما إني لا أخيبك بوجه ربي، بعني . فقدمه إلى السوق، فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند [ ص: 626 ] المشتري زمانا لا يستعمله في شيء، فقال له : إنك إنما ابتعتني التماس خير عندي، فأوصني بعمل . قال : أكره أن أشق عليك، إنك شيخ كبير ضعيف . قال : ليس يشق علي . قال : فقم فانقل هذه الحجارة . وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم، فخرج الرجل لبعض حاجته، ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة، فقال : أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه . ثم عرض للرجل سفر فقال : إني أحسبك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة . قال : فأوصني بعمل . قال : إني أكره أن أشق عليك . قال : ليس يشق علي . قال : فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك . فمر الرجل لسفره، فرجع وقد شيد بناءه، فقال : أسألك بوجه الله، ما سبيلك وما أمرك؟ فقال : سألتني بوجه الله، ووجه الله أوقعني في العبودية، أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة فلم يكن عندي شيء أعطيه، فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي فباعني، فأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر، وقف يوم القيامة جلدة، ولا لحم له ولا عظم يتقعقع . فقال الرجل : آمنت بالله، شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم . فقال : لا بأس، أحسنت وأبقيت . فقال الرجل : بأبي [ ص: 627 ] أنت وأمي يا نبي الله، احكم في أهلي ومالي بما أراك الله، أو أخيرك فأخلي سبيلك . فقال : أحب أن تخلي سبيلي فأعبد ربي . فخلى سبيله، فقال الخضر : الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني منها" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن الحجاج بن فرافصة، أن رجلين كانا يتبايعان عند عبد الله بن عمر، فكان أحدهما يكثر الحلف، فبينما هو كذلك إذ مر عليهما رجل فقام عليهما، فقال للذي يكثر الحلف منهما : يا عبد الله، اتق الله ولا تكثر الحلف، فإنه لا يزيد في رزقك إن حلفت، ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف . قال : امض لما يعنيك . قال : إن ذا مما يعنيني . قالها ثلاث مرات، ورد عليه قوله، فلما أراد أن ينصرف عنهما قال : اعلم أن من آية الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك، على الكذب حيث ينفعك، ولا يكن في قولك فضل على فعلك . ثم انصرف، فقال عبد الله بن عمر : الحقه فاستكتبه هذه الكلمات . فقال : يا عبد الله، أكتبني هذه الكلمات رحمك الله . فقال الرجل : ما يقدر الله من أمر يكن . فأعادهن [ ص: 268 ] عليه حتى حفظه، ثم مشى حتى وضع إحدى رجليه في المسجد، فما أدري، أأرض لحسته، أو سماء اقتلعته؟ قال : كأنهم يرونه الخضر أو إلياس عليهما السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" بسند واه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الخضر في البحر، واليسع في البر، يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج، ويحجان ويعتمران كل عام، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي رواد قال : إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس، ويحجان في كل سنة، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج العقيلي ، والدارقطني في "الأفراد"، وابن عساكر ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم، فيحلق [ ص: 629 ] كل واحد منهما رأس صاحبه، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات : باسم الله، ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله، ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله، ما شاء الله، ما كان من نعمة فمن الله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله" . قال ابن عباس : من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات، أمنه الله من الغرق والحرق والسرق، ومن الشيطان والسلطان، ومن الحية والعقرب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية