الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وذا النون الآيتين .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ، عن ابن عباس في قوله : وذا النون إذ ذهب مغاضبا يقول : غضب على قومه : فظن أن لن نقدر عليه يقول : أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره ، قال : وعقوبته أخذ النون إياه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 358 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : وذا النون إذ ذهب مغاضبا قال : مغاضبا لقومه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن قيس قال : كانت تكون أنبياء جميعا يكون عليهم واحد، فكان يوحى إلى ذلك النبي : أرسل فلانا إلى بني فلان، فقال الله : إذ ذهب مغاضبا قال : مغاضبا لذلك النبي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ، عن ابن عباس في قوله : فظن أن لن نقدر عليه قال : ظن أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في " الزهد " ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن الحسن في قوله : إذ ذهب مغاضبا قال : انطلق آبقا : فظن أن لن نقدر عليه فكان له سلف من عمل صالح، فلم يدعه الله فبه أدركه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" عن مجاهد في قوله : فظن أن لن نقدر عليه قال : ظن أن لن نعاقبه بذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله : فظن أن لن نقدر عليه قال : ظن أن لن نقضي عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 359 ] وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : فظن أن لن نقدر عليه . يقول : ظن أن الله لن يقضي عليه عقوبة ولا بلاء في غضبه الذي غضب على قومه وفراقه إياهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن عبد الله بن الحارث قال : لما التقم الحوت يونس نبذ به إلى قرار الأرض، فسمع تسبيح الأرض، فذاك الذي هاجه فناداه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "الأسماء والصفات" عن الحسن في قوله : فظن أن لن نقدر عليه قال : ظن أن لن نعاقبه : فنادى في الظلمات قال : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت : أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قال الملائكة : صوت معروف في أرض غريبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن قتادة : ( فظن أن لن نقدر عليه ) يقول : ظن أن لن نعاقبه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن قتادة والكلبي : فظن أن لن نقدر عليه قالا : ظن أن لن نقضي عليه العقوبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : [ ص: 360 ] فنادى في الظلمات قال : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب وعمرو بن ميمون، وقتادة مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في " الزهد " عن سعيد بن جبير مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في " الزهد " ، وابن أبي الدنيا في كتاب " الفرج بعد الشدة " ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن ابن مسعود : فنادى في الظلمات قال : ظلمة الليل وظلمة بطن الحوت وظلمة البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن سالم بن أبي الجعد قال : أوحى الله تعالى إلى الحوت ألا تضر له لحما ولا عظما، ثم ابتلع الحوت حوت آخر قال : فنادى في الظلمات قال : ظلمة حوت ثم حوت ثم ظلمة البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : كل تسبيح في القرآن صلاة إلا قوله : سبحانك إني كنت من الظالمين .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 361 ] وأخرج الزبير بن بكار في " الموفقيات " من طريق الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، أن معاوية قال له يوما : إنه ضربتني أمواج القرآن البارحة في آيتين لم أعرف تأويلهما ففزعت إليك ، قال : وما هما؟ قال : قول الله : وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه وأنه يفوته إن أراده، وقول الله :

                                                                                                                                                                                                                                      : حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا [ يوسف : 110 ] كيف هذا؟ يظنون أنه قد كذبهم ما وعدهم؟ فقال ابن عباس : أما يونس فظن أن لن تبلغ خطيئته أن يقدر الله عليه بها العقاب، ولم يشك أن الله إن أراده قدر عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الآية الأخرى فإن الرسل استيأسوا من إيمان قومهم وظنوا أن من أعطاهم الرضا في العلانية قد كذبهم في السر؛ وذلك لطول البلاء عليهم، ولم تستيئس الرسل من نصر الله، ولم يظنوا أنهم كذبهم ما وعدهم ، فقال معاوية : فرجت عني يا ابن عباس فرج الله عنك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما دعا يونس على قومه، أوحى الله إليه أن العذاب مصبحهم . فقال لهم، فقالوا : ما كذب يونس، وليصبحنا العذاب، أفتعالوا حتى نخرج سخال كل شيء فنجعلها من أولادنا، لعل الله أن يرحمهم ، فأخرجوا النساء مع الولدان، وأخرجوا الإبل مع فصلانها وأخرجوا البقر مع عجاجيلها، وأخرجوا الغنم مع سخالها فجعلوه أمامهم، وأقبل العذاب ، فلما رأوه جأروا إلى الله، ودعوا وبكى النساء والولدان ورغت الإبل [ ص: 362 ] وفصلانها، وخارت البقر وعجاجيلها وثغت الغنم وسخالها، فرحمهم الله، فصرف ذلك العذاب عنهم وغضب يونس فقال : كذبت فهو قوله : إذ ذهب مغاضبا فمضى إلى البحر، وقوم تتامت سفينتهم، فقال : احملوني معكم . فحملوه فأخرج الجعل، فأبوا أن يقبلوه منه، فقال : إذا أخرج عنكم ، فقبلوه، فلما لججت السفينة في البحر، أخذهم البحر والأمواج، فقال لهم يونس : اطرحوني تنجوا ، قالوا : بل نمسكك ننجو ، قال : فساهموني - يعني قارعوني - فساهموه ثلاثا، فوقعت عليه القرعة فأوحى الله إلى سمكة يقال لها : النجم من البحر الأخضر أن شقي البحار حتى تأخذي يونس، فليس يونس لك رزقا، ولكن بطنك له سجن، فلا تخدشي له جلدا ولا تكسري له عظما . فجاءت حتى استقبلت السفينة فقارعوه الثالثة، فوقعت عليه فاقتحم الماء، فالتقمته السمكة، فشقت به البحار، حتى انتهت به إلى البحر الأخضر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : لما التقم الحوت يونس ذهب به حتى أوقفه بالأرض السابعة، فسمع تسبيح الأرض فهيجه على التسبيح فقال : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فأخرجه حتى ألقاه على الأرض بلا شعر ولا ظفر مثل الصبي [ ص: 363 ] المنفوس، فأنبتت عليه شجرة تظله ويأكل من تحتها من حشرات الأرض . فبينما هو نائم تحتها إذ تساقط ورقها قد يبست ، فشكا ذلك إلى ربه، فقال له : تحزن على شجرة يبست ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون يعذبون ؟!

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن أنس رفعه : إن يونس حين بدا له أن يدعو الله بالكلمات، حين ناداه في بطن الحوت قال : اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين . فأقبلت الدعوة تحف بالعرش، فقالت الملائكة : يا رب هذا صوت ضعيف معروف في بلاد غريبة! فقال : أما تعرفون ذلك؟ قالوا : يا رب، وما هو؟ قال : ذاك عبدي يونس ، قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل، ودعوة مجابة؟! قال : نعم . قالوا : يا رب أفلا يرحم بما كان يصنع في الرخاء، فتنجيه من البلاء؟ قال : بلى ، فأمر الحوت فطرحه بالعراء، فأنبت الله عليه اليقطينة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة في " المصنف " ، وعبد بن حميد ، وابن مردويه ، وابن عساكر عن علي مرفوعا : ليس لعبد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى؛ [ ص: 364 ] سبح الله في الظلمات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والترمذي ، والنسائي والحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " والبزار ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في " شعب الإيمان " عن سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن سعد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اسم الله الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى ، قلت : يا رسول الله هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال : هي ليونس خاصة، وللمؤمنين إذا دعوا بها ألم تسمع قول الله : وكذلك ننجي المؤمنين فهو شرط من الله لمن دعاه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هذه الآية مفزع للأنبياء : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين نادى بها يونس في ظلمة بطن الحوت .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 365 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هل أدلكم على اسم الله الأعظم؟ دعاء يونس : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فأيما مسلم دعا ربه به في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد ، وإن برأ برأ مغفورا له .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم وصححه، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على ثنية فقال : ما هذه؟ قالوا : ثنية كذا وكذا ، قال : كأني أنظر إلى يونس على ناقة خطامها ليف، وعليه جبة من صوف وهو يقول : لبيك اللهم لبيك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم وأبو داود ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لأحد أن [ ص: 366 ] يقول أنا خير من يونس بن متى - نسبه إلى أبيه - أصاب ذنبا ثم اجتباه ربه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، والبخاري ، والنسائي ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقولن أحدكم : أنا خير من يونس بن متى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ، ومسلم ، وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية