الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، كلاهما في "الدلائل"، وابن عساكر ، من طرق عن حذيفة قال : لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود، وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة اليهود أسفل نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا، في أصوات ريحها أمثال الصواعق، وهي ظلمة ما يرى أحد منا إصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون : إن بيوتنا عورة . وما هي بعورة . فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، فيتسللون، ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك، إذ استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا، حتى مر علي وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي، ما يجاوز ركبتي، فأتاني وأنا جاث على ركبتي فقال : «من هذا؟» . قلت : حذيفة . قال : «حذيفة؟» . فتقاصرت إلى الأرض فقلت : بلى يا رسول الله؛ كراهية أن أقوم . فقال : «قم» . فقمت فقال : [ ص: 738 ] «إنه كان في القوم خبر، فأتني بخبر القوم» . قال : وأنا من أشد الناس فزعا، وأشدهم قرا، فخرجت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم احفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، ومن تحته» . قال : فوالله ما خلق الله فزعا ولا قرا في جوفي إلا خرج من جوفي، فما أجد منه شيئا، فلما وليت قال : «يا حذيفة، لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني» . فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم، نظرت في ضوء نار لهم توقد، وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار، ويمسح خاصرته ويقول : الرحيل الرحيل . ثم دخلت العسكر، فإذا في الناس مني بنو عامر يقولون : يا آل عامر الرحيل الرحيل، لا مقام لكم . وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم، الريح تضربهم، ثم خرجت نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتصفت في الطريق أو نحو ذلك، إذا أنا بنحو من عشرين فارسا متعممين، فقالوا : أخبر صاحبك أن الله كفاه القوم . فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلي، وكان إذا حزبه أمر صلى، فأخبرته خبر القوم أني تركتهم يترحلون، فأنزل الله : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 739 ] وأخرج الروياني، وابن عساكر ، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال : قال رجل : لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لخدمته ولفعلت . فقال حذيفة : لقد رأيتني ليلة الأحزاب ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في ليلة باردة لم نر قبله ولا بعده بردا كان أشد منه، فحانت مني التفاتة فقال : «ألا رجل يذهب إلى هؤلاء فيأتينا بخبرهم، جعله الله معي يوم القيامة؟» . قال : فما قام منا إنسان . قال : فسكتوا، ثم عاد، فسكتوا، ثم قال : «يا أبا بكر» . ثم استغفر الله ورسوله، ثم قال : إن شئت ذهبت . فقال : «يا عمر» . فقال : أستغفر الله ورسوله . ثم قال : «يا حذيفة» . فقلت : لبيك . فقمت حتى أتيت وإن جنبي ليضربان من البرد، فمسح رأسي ووجهي، ثم قال : «ائت هؤلاء القوم حتى تأتينا بخبرهم، ولا تحدثن حدثا حتى ترجع» . ثم قال : «اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن [ ص: 740 ] فوقه، ومن تحته، حتى يرجع» . قال : فلأن يكون أرسلها كان أحب إلي من الدنيا وما فيها . قال : فانطلقت، فأخذت أمشي نحوهم كأني أمشي في حمام . قال : فوجدتهم قد أرسل الله عليهم ريحا فقطعت أطنابهم وأبنيتهم، وذهبت بخيولهم، ولم تدع شيئا إلا أهلكته . قال : وأبو سفيان قاعد يصطلي عند نار له . قال : فنظرت إليه، فأخذت سهما، فوضعته في كبد قوسي . قال : وكان حذيفة راميا . فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تحدثن حدثا حتى ترجع» . قال : فرددت سهمي في كنانتي . قال : فقال رجل من القوم : ألا إن فيكم عينا للقوم . قال : فأخذ كل بيد جليسه، فأخذت بيد جليسي فقلت : من أنت؟ قال : سبحان الله! أما تعرفني، أنا فلان بن فلان . فإذا رجل من هوازن، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر، وكأني أمشي في حمام، قال : فلما أخبرته ضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل، وذهب [ ص: 741 ] عني الدفء . فأدناني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنامني عند رجليه، وألقى علي طرف ثوبه، فإن كنت لألزق بطني وصدري ببطن قدمه، فلما أصبحوا هزم الله الأحزاب، وهو قوله : فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل"، عن ابن عباس : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود قال : كان يوم أبي سفيان يوم الأحزاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي سعيد الخدري قال : قلنا يوم الخندق : يا رسول الله، هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال : «نعم، قولوا : اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا» . قال : فضرب الله وجوه أعدائه بالريح، فهزمهم الله بالريح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في "العظمة"، والبيهقي ، عن مجاهد : إذ جاءتكم جنود قال : الأحزاب، عيينة بن بدر، وأبو سفيان، وقريظة، فأرسلنا عليهم ريحا قال : يعني ريح الصبا، أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى كفأت قدورهم [ ص: 742 ] على أفواهها، ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم، وجنودا لم تروها يعني الملائكة . قال : ولم تقاتل الملائكة يومئذ .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم في "الكنى"، وأبو الشيخ في "العظمة"، وابن مردويه ، وأبو نعيم في "الدلائل"، عن ابن عباس قال : لما كانت ليلة الأحزاب جاءت الشمال إلى الجنوب فقالت : انطلقي فانصري الله ورسوله . فقالت الجنوب : إن الحرة لا تسري بالليل . فغضب الله عليها وجعلها عقيما، فأرسل الله عليهم الصبا فأطفأت نيرانهم وقطعت أطنابهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» . فذلك قوله : فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن النعمان بن مقرن قال : شهدت رسول الله [ ص: 743 ] صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل"، عن عائشة في قوله : إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم الآية . قالت : كان ذلك يوم الخندق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي في "الدلائل"، من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب، فخرجت لنا من الخندق صخرة بيضاء مدورة، فكسرت حديدنا وشقت علينا، فشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ المعول من سلمان، فضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة، حتى لكأن مصباحا في جوف ليل مظلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون، ثم ضربها الثانية فصدعها، وبرق منها برقة أضاءت ما بين لابتيها، فكبر صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون، ثم ضربها الثالثة، فكسرها، وبرق منها برقة أضاءت ما بين لابتيها، فكبر وكبر المسلمون، فسألناه فقال : «أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى [ ص: 744 ] كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، وأضاء لي في الثانية قصور الحمر من أرض الروم، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا بالنصر» . فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله، موعد صادق بأن وعدنا النصر بعد الحصر . فطلعت الأحزاب فقال المسلمون : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما . وقال المنافقون : ألا تعجبون! يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل، يخبر أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا، وأنزل القرآن : وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : أنزل الله في شأن الخندق، وذكر نعمته عليهم وكفايته إياهم عدوهم بعد سوء الظن ومقالة من تكلم من أهل النفاق : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكانت الجنود التي أتت المؤمنين قريشا، وأسدا، وغطفان، وسليما، وكانت الجنود التي بعث [ ص: 745 ] الله عليهم الريح والملائكة، فقال : إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم .

                                                                                                                                                                                                                                      فكان الذين جاءوهم من فوقهم بني قريظة، والذين جاءوهم من أسفل منهم قريشا، وأسدا، وغطفان، فقال : هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا يقول : معتب بن قشير ومن كان معه على رأيه، وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقول : أوس بن قيظي ومن كان معه على مثل رأيه، ولو دخلت عليهم من أقطارها إلى : وإذا لا تمتعون إلا قليلا ثم ذكر يقين أهل الإيمان حين أتاهم الأحزاب فحصروهم وظاهرتهم بنو قريظة، فاشتد عليهم البلاء، فقال : ولما رأى المؤمنون الأحزاب إلى : إن الله كان غفورا رحيما قال : وذكر الله هزيمة المشركين وكفايته المؤمنين، فقال : ورد الله الذين كفروا بغيظهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن المنذر ، والبيهقي في "الدلائل"، عن عروة بن الزبير، ومحمد بن كعب القرظي، قالا : قال معتب بن قشير : كأن محمدا يرى أن يأكل من كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط! وقال [ ص: 746 ] أوس بن قيظي في ملأ من قومه من بني حارثة : إن بيوتنا عورة، وهي خارجة من المدينة، ائذن لنا فنرجع إلى نسائنا وأبنائنا وذرارينا . فأنزل الله على رسوله حين فرغ منهم ما كانوا فيه من البلاء يذكرهم نعمته عليهم، وكفايته إياهم بعد سوء الظن منهم، ومقالة من قال من أهل النفاق : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها فكانت الجنود قريشا وغطفان وبني قريظة، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح الملائكة، إذ جاءوكم من فوقكم بنو قريظة، ومن أسفل منكم قريش، وغطفان . إلى قوله : ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا يقول : معتب بن قشير وأصحابه، وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب يقول : أوس بن قيظي ومن كان معه على ذلك من قومه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن البراء بن عازب قال : لما كان حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق، عرض لنا في بعض الجبل صخرة عظيمة شديدة، لا تدخل فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها أخذ المعول، وألقى ثوبه وقال : «باسم الله» . ثم ضرب ضربة، فكسر ثلثها وقال : «الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة» . ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر فقال : «الله أكبر، أعطيت [ ص: 747 ] مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض» . ثم ضرب الثالثة فقال : «باسم الله» . فقطع بقية الحجر وقال : «الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : إذ جاءوكم من فوقكم قال : عيينة بن حصن، ومن أسفل منكم قال : أبو سفيان بن حرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة في قوله : إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم قالت : كان ذلك يوم الخندق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم قال : نزلت هذه الآية يوم الأحزاب وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا، فخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل أبو سفيان بقريش ومن معه من الناس حتى نزلوا بعقوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عيينة بن حصن أخو بني بدر بغطفان ومن تبعه حتى نزلوا بعقوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاتبت اليهود أبا سفيان فظاهروه، فبعث الله عليهم الرعب والريح، فذكر أنهم كانوا كلما بنوا بناء قطع الله أطنابه، وكلما ربطوا دابة قطع الله رباطها، وكلما أوقدوا نارا [ ص: 748 ] أطفأها الله، حتى لقد ذكر لنا أن سيد كل حي يقول : يا بني فلان، هلم إلي . حتى إذا اجتمعوا عنده قال : النجاة النجاة، أتيتم . لما بعث الله عليهم من الرعب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : إذ جاءوكم من فوقكم قال : عيينة بن بدر في أهل نجد، ومن أسفل منكم قال : أبو سفيان بن حرب في أهل تهامة، ومواجهتهم قريظة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : وإذ زاغت الأبصار قال : شخصت الأبصار .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : وبلغت القلوب الحناجر قال : شخصت من مكانها، فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن عكرمة في قوله : وبلغت القلوب الحناجر قال : فزعها . ولفظ ابن أبي شيبة قال : إن [ ص: 749 ] القلوب لو تحركت أو زالت خرجت نفسه، ولكن إنما هو الفزع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : وتظنون بالله الظنونا . قال : ظنون مختلفة؛ ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله ورسوله حق، أنه سيظهره على الدين كله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : وتظنون بالله الظنونا قال : هم المنافقون يظنون بالله ظنونا مختلفة . وفي قوله : هنالك ابتلي المؤمنون قال : محصوا . وفي قوله : وإذ يقول المنافقون الآية . قال : تكلموا بما في أنفسهم من النفاق، وتكلم المؤمنون بالحق والإيمان، قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والبيهقي في "الدلائل"، عن جابر بن عبد الله قال : لما حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخندق، أصاب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين جهد شديد، فمكثوا ثلاثا لا يجدون طعاما حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه حجرا من الجوع .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 750 ] وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : قال المنافقون يوم الأحزاب حين رأوا الأحزاب قد اكتنفوهم من كل جانب، فكانوا في شك وريبة من أمر الله، قالوا : إن محمدا كان يعدنا فتح فارس والروم، وقد حصرنا ههنا حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته . فأنزل الله : وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، واجتمعت قريش وكنانة وغطفان، فاستأجرهم أبو سفيان بلطيمة قريش، فأقبلوا حتى نزلوا بفنائه، فنزلت قريش أسفل الوادي، ونزلت غطفان عن يمين ذلك، وطليحة الأسدي في بني أسد في يسار ذلك، وظاهروهم بنو قريظة من اليهود على قتال النبي صلى الله عليه وسلم، فلما نزلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بحضرة المدينة حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق، فبينما هو يضرب فيه بمعوله إذ وقع المعول في صفا، فطارت منه كهيئة الشهاب من نار في السماء، وضرب الثانية فخرج مثل ذلك، فرأى ذلك سلمان فقال : يا رسول الله، قد رأيت خرج من كل ضربة كهيئة [ ص: 751 ] الشهاب فسطع إلى السماء . فقال : «قد رأيت ذلك؟» . فقال : نعم يا رسول الله . قال : «يفتح لكم أبواب المدائن، وقصور الروم ومدائن اليمن» . ففشا ذلك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فتحدثوا به، فقال رجل من الأنصار يدعى بشير بن معتب : أيعدنا محمد أن يفتح لنا مدائن اليمن وبيض المدائن وقصور الروم، وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل، هذا والله الغرور . فأنزل الله في هذا : وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية