الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد بن حميد ، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» وأبو يعلى، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في «شعب الإيمان»، وابن عساكر ، من طرق، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يا عبد الله» قلت : لبيك يا رسول الله، ثلاث مرات، قال : «هل تدري أي عرى الإيمان أوثق»؟ قلت : الله ورسوله أعلم، [ ص: 289 ] قال : «أوثق الإيمان الولاية في الله؛ بالحب فيه والبغض فيه» قال : «هل تدري أي الناس أفضل»؟ قلت : الله ورسوله أعلم، قال : «أفضل الناس أفضلهم عملا إذا فقهوا في دينهم، يا عبد الله، هل تدري أي الناس أعلم»؟ قلت : الله ورسوله أعلم، قال : «فإن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس، وإن كان مقصرا بالعمل، وإن كان يزحف على استه، واختلف من كان قبلنا على ثنتين وسبعين فرقة، نجا منها ثلاث، وهلك سائرها، فرقة وازت الملوك وقاتلتهم على دين الله، وعيسى ابن مريم، حتى قتلوا، وفرقة لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك، فأقاموا بين ظهراني قومهم، فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى، فقتلتهم الملوك، ونشروهم بالمناشير، وفرقة لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بالمقام معهم، فساحوا في الجبال وترهبوا فيها، وهم الذين قال الله : ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم هم الذين آمنوا بي [ ص: 290 ] وصدقوني وكثير منهم فاسقون الذين كفروا بي وجحدوني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج النسائي ، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول»، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : كانت ملوك بعد عيسى بدلت التوراة والإنجيل، فكان منهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل، فقيل لملوكهم : ما نجد شيئا أشد من شتم يشتمنا هؤلاء، أنهم يقرءون : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون [المائدة : 44 - 47] مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم، فادعهم فليقرءوا كما نقرأ، وليؤمنوا كما آمنا، فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل، إلا ما بدلوا منها، فقالوا : ما تريدون إلى ذلك؟ دعونا، فقالت طائفة منهم : ابنوا لنا أسطوانة، ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا، ولا نرد عليكم، وقالت طائفة : دعونا نسيح في الأرض ونهيم، ونأكل مما تأكل منه الوحوش، ونشرب كما تشرب، فإن [ ص: 291 ] قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا، وقالت طائفة : ابنوا لنا دورا في الفيافي، ونحتفر الآبار، ونحرث البقول، فلا نرد عليكم، ولا نمر بكم، وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم، ففعلوا ذلك، فأنزل الله : ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها قال : والآخرون ممن تعبد من أهل الشرك، وفني من قد فني منهم، قالوا : نتعبد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دورا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم، فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق منهم إلا القليل انحط صاحب الصومعة من صومعته، وجاء السائح من سياحته، وصاحب الدير من ديره، فآمنوا به وصدقوه، فقال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته أجرين؛ بإيمانهم بعيسى، ونصب أنفسهم، والتوراة والإنجيل، وبإيمانهم بمحمد – صلى الله عليه وسلم – وتصديقهم : ويجعل لكم نورا تمشون به : القرآن واتباعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود، وأبو يعلى، والضياء، عن أنس ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم؛ فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات [ ص: 292 ] ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «لا تشددوا على أنفسكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن مردويه ، وابن نصر، عن أبي أمامة قال : «إن الله كتب عليكم صيام شهر رمضان، ولم يكتب عليكم قيامه، وإنما القيام شيء ابتدعتموه، فدوموا عليه ولا تتركوه، فإن ناسا من بني إسرائيل ابتدعوا بدعة فعابهم الله بتركها، وتلا هذه الآية : ورهبانية ابتدعوها الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والحكيم الترمذي ، وأبو يعلى، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «إن لكل أمة رهبانية، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله» .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 293 ] وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : ورهبانية ابتدعوها قال : ذكر لنا أنهم رفضوا النساء، واتخذوا الصوامع .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية