الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ومن يطع الله الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الطبراني، وابن مردويه ، وأبو نعيم في "الحلية"، والضياء المقدسي في "صفة الجنة" وحسنه، عن عائشة قالت : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : [ ص: 529 ] يا رسول الله، إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك . فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية : ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني، وابن مردويه ، من طريق الشعبي عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إني أحبك، حتى لأذكرك، فلولا أني أجيء فأنظر إليك ظننت أن نفسي تخرج، وأذكر أني إن دخلت الجنة صرت دونك في المنزلة، فشق علي، وأحب أن أكون معك في الدرجة . فلم يرد عليه شيئا، فأنزل الله : ومن يطع الله والرسول الآية، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وهناد ، وابن المنذر ، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن الشعبي أن رجلا من الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : والله [ ص: 530 ] يا رسول الله، لأنت أحب إلي من نفسي وولدي وأهلي ومالي، ولولا أني آتيك فأراك لظننت أني سأموت . وبكى الأنصاري، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «ما أبكاك؟» فقال : ذكرت أنك ستموت ونموت فترفع مع النبيين، ونحن إذا دخلنا الجنة كنا دونك، فلم يخبره النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، فأنزل الله على رسوله : ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم إلى قوله : عليما فقال : «أبشر يا أبا فلان» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير . قال : جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «يا فلان، ما لي أراك محزونا؟» قال : يا نبي الله، شيء فكرت فيه . فقال : «ما هو؟» قال : نحن نغدو عليك ونروح، ننظر في وجهك ونجالسك، غدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك . فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فأتاه جبريل بهذه الآية : ومن يطع الله والرسول إلى قوله : رفيقا قال : فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم فبشره .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مسروق قال : قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله، ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا؛ فإنك لو قد مت رفعت فوقنا فلم نرك، فأنزل الله : ومن يطع الله والرسول الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال : أتى فتى [ ص: 531 ] النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله : إن لنا فيك نظرة في الدنيا، ويوم القيامة لا نراك؛ لأنك في الجنة في الدرجات العلى . فأنزل الله : ومن يطع الله الآية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت معي في الجنة إن شاء الله» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجالا قالوا : هذا نبي الله نراه في الدنيا، فأما في الآخرة فيرفع بفضله فلا نراه، فأنزل الله : ومن يطع الله والرسول إلى قوله : رفيقا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن السدي قال : قال ناس من الأنصار : يا رسول الله، إذا أدخلك الله الجنة فكنت في أعلاها، ونحن نشتاق إليك، فكيف نصنع؟ فأنزل الله : ومن يطع الله والرسول الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن الربيع، أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن تبعه وصدقه، فكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا؟ فأنزل الله هذه الآية في ذلك . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم، فيجتمعون في رياضها، فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه» .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 532 ] وأخرج مسلم، وأبو داود ، والنسائي ، عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال : كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته . فقال لي : «سل» فقلت : يا رسول الله، أسألك مرافقتك في الجنة . قال : «أوغير ذلك؟» قلت : هو ذاك . قال : «فأعني على نفسك بكثرة السجود» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن عمرو بن مرة الجهني قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الخمس وأديت زكاة مالي، وصمت رمضان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا» - ونصب أصبعيه - «ما لم يعق والديه» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والحاكم وصححه، عن معاذ بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، إن شاء الله» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري، ومسلم ، وابن ماجه ، عن عائشة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة» وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة، فسمعته يقول : «مع الذين أنعم الله عليهم من [ ص: 533 ] النبيين والصديقين والشهداء والصالحين» فعلمت أنه خير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن المقداد قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : قلت في أزواجك : «إني لأرجو لهن من بعدي الصديقين» قال : «من تعنون الصديقين؟» قلت : أولادنا الذين هلكوا صغارا . قال : «لا، ولكن الصديقين هم المصدقون» .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية