الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون

                                                                                                                                                                                                وما منا أحد إلا له مقام معلوم فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ، كقوله [من الوافر ] :


                                                                                                                                                                                                أنا ابن جلا وطلاع الثنايا



                                                                                                                                                                                                [ ص: 235 ] [من الرجز ] :


                                                                                                                                                                                                بكفى كان من أرمى البشر



                                                                                                                                                                                                مقام معلوم : مقام في العبادة ، والانتهاء إلى أمر الله مقصور عليه لا يتجاوزه ، كما روي : فمنهم راكع لا يقيم صلبه ، وساجد لا يرفع رأسه لنحن الصافون نصف أقدامنا في الصلاة ، أو أجنحتنا في الهواء ، منتظرين ما نؤمر . وقيل : نصف أجنحتنا حول العرش داعين للمؤمنين . وقيل : إن المسلمين إنما اصطفوا في الصلاة منذ نزلت هذه الآية . وليس يصطف أحد من أهل الملل في صلاتهم غير المسلمين "المسبحون " المنزهون أو المصلون . والوجه أن يكون هذا وما قبله من قوله : سبحان الله عما يصفون [الصافات : 159 ] من كلام الملائكة حتى يتصل بذكرهم في قوله : ولقد علمت الجنة [الصافات : 158 ] كأنه قيل : ولقد علم الملائكة وشهدوا أن المشركين مفترون عليهم في مناسبة رب العزة ، وقالوا : سبحان الله ، فنزهوه عن ذلك ، واستثنوا عباد الله المخلصين وبرأهم منه ، وقالوا للكفرة : فإذا صح ذلك فإنكم وآلهتكم لا تقدرون أن تفتنوا على الله أحدا من خلقه وتضلوه ، إلا من كان مثلكم ممن علم الله -لكفرهم ، لا لتقديره وإرادته ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا - أنهم من أهل النار ، وكيف نكون مناسبين لرب العزة ويجمعنا وإياه جنسية واحدة ؟ وما نحن إلا عبيد أذلاء بين يديه ، لكل منا مقام من الطاعة لا يستطيع أن يزل عنه ظفرا ; خشوعا لعظمته وتواضعا لجلاله ، ونحن الصافون أقدامنا لعبادته وأجنحتنا ، مذعنين خاضعين مسبحين ممجدين ، وكما يجب على العباد لربهم . وقيل : هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني : وما من المسلمين أحد إلا له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله ، من قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء : 79 ] ثم ذكر أعمالهم وأنهم هم الذين يصطفون في الصلاة يسبحون الله وينزهونه مما يضيف إليه من لا يعرفه مما لا يجوز عليه .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية