الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين

                                                                                                                                                                                                "لبيوتهم" بدل اشتمال من قوله: لمن يكفر ويجوز أن يكونا بمنزلة اللامين في قولك: وهبت له ثوبا لقميصه. وقرئ: (سقفا) بفتح السين وسكون القاف. وبضمها وسكون القاف وبضمها: جمع سقف، كرهن ورهن ورهن. وعن الفراء : جمع سقيفة وسقفا بفتحتين، كأنه لغة في سقف وسقوف، ومعارج ومعاريج. والمعارج: جمع معرج، أو اسم جمع لمعراج: وهي المصاعد إلى العلالي. عليها يظهرون أي: على المعارج، يظهرون السطوح يعلونها، فما استطاعوا أن يظهروه. وسررا، بفتح الراء لاستثقال الضمتين مع حرفى التضعيف. لما متاع الحياة اللام هي الفارقة بين إن المحففة والنافية. وقرئ بكسر اللام، أي: للذي هو متاع الحياة، كقوله تعالى: مثلا ما بعوضة [البقرة: 26] ولما بالتشديد بمعنى إلا، وإن نافية. وقرئ: (إلا) وقرئ: وما كل ذلك إلا. لما قال: [ ص: 440 ] خير مما يجمعون [الزخرف: 32] فقلل أمر الدنيا وصغرها: أردفه ما يقرر قلة الدنيا عنده من قوله: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة أي: ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه، لجعلنا لحقارة زهرة الحياة الدنيا عندنا للكفار سقوفا ومصاعد وأبوابا وسررا كلها من فضة وزخرف، وجعلنا لهم زخرفا، أي: زينة من كل شيء. والزخرف: الزينة والذهب. ويجوز أن يكون الأصل: سقفا من فضة وزخرف، يعني: بعضها من فضة وبعضها من ذهب، فنصب عطفا على محل من فضة وفى معناه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو وزنت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء" فإن قلت: فحين لم يوسع على الكافرين للفتنة التي كان يؤدي إليها التوسعة [ ص: 441 ] عليهم من إطباق الناس على الكفر لحبهم الدنيا وتهالكهم عليها، فهلا وسع على المسلمين ليطبق الناس على الإسلام؟ قلت: التوسعة عليهم مفسدة أيضا لما تؤدي إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا، والدخول في الدين لأجل الدنيا من دين المنافقين، فكانت الحكمة فيما دبر، حيث جعل في الفريقين أغنياء وفقراء، وغلب الفقر على الغنى.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية