الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب

                                                                                                                                                                                                أفاء الله على رسوله جعله له فيئا خاصة. والإيجاف من الوجيف. وهو السير السريع. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في الإفاضة من عرفات. " ليس البر بإيجاف الخيل ولا إيضاع الإبل على هينتكم ". ومعنى فما أوجفتم عليه فما [ ص: 78 ] أوجفتم على تحصيله وتغنمه خيلا ولا ركابا، ولا تعبتم في القتال عليه، وإنما مشيتم إليه على أرجلكم. والمعنى: أن ما خول الله رسوله من أموال بني النضير شيء لم تحصلوه بالقتال والغلبة، ولكن سلطه الله عليهم وعلى ما في أيديهم كما كان يسلط رسله على أعدائهم، فالأمر فيه مفوض إليه يضعه حيث يشاء، يعني: أنه لا يقسم قسمة الغنائم التي قوتل عليها وأخذت عنوة وقهرا، وذلك أنهم طلبوا القسمة فنزلت.

                                                                                                                                                                                                لم يدخل العاطف على هذه الجملة: لأنها بيان للأولى، فهي منها غير أجنبية عنها. بين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصنع بما أفاء الله عليه، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسوما على الأقسام الخمسة. والدولة - بالفتح والضم - وقد قرئ بهما. ما يدول للإنسان، أي: يدور من الجد. يقال: دالت له الدولة. وأديل لفلان. ومعنى قوله تعالى: لا يكون دولة بين الأغنياء منكم كيلا يكون الفيء الذي حقه أن يعطي الفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها جدا بين الأغنياء يتكاثرون به. أو كيلا يكون دولة جاهلية بينهم. ومعنى الدولة الجاهلية: أن الرؤساء منهم كانوا يستأخرون بالغنيمة لأنهم أهل الرياسة والدولة والغلبة، وكانوا يقولون: من عز بز. والمعنى: كيلا يكون أخذه غلبة وأثرة جاهلية. ومنه قول الحسن : اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله دولا، يريد: من غلب منهم أخذه واستأثر به. وقيل: "الدولة" ما يتداول، كالغرفة: اسم ما يغترف، يعني: كيلا يكون الفيء شيئا يتداوله الأغنياء بينهم ويتعاورونه، فلا يصيب الفقراء، والدولة - بالفتح -: بمعنى التداول، أي: كيلا يكون ذا تداول بينهم. أو كيلا يكون إمساكه تداولا بينهم لا يخرجونه إلى الفقراء.

                                                                                                                                                                                                وقرئ: "دولة" بالرفع على "كان" التامة؛ كقوله تعالى: وإن كان ذو عسرة [البقرة: 280]. يعني كيلا يقع دولة جاهلية ولينقطع أثرها أو كيلا يكون تداول له بينهم. أو كيلا يكون شيء متعاور بينهم غير مخرج إلى الفقراء وما آتاكم الرسول من قسمة غنيمة أو فيء فخذوه وما نهاكم عن أخذه منها "فانتهوا" عنه ولا تتبعه أنفسكم "واتقوا الله" أن تخالفوه وتتهاونوا بأوامره ونواهيه. أن الله شديد العقاب لمن خالف رسوله، والأجود أن يكون عاما في كل ما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، وأمر الفيء داخل في عمومه. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنه لقي رجلا محرما وعليه ثيابه فقال له: انزع عنك هذا. فقال الرجل: اقرأ علي في هذا آية من كتاب الله. قال: نعم. فقرأها عليه.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية