الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية

                                                                                                                                                                                                أسند الفعل إلى المصدر، وحسن تذكيره للفصل. وقرأ أبو السمال "نفخة واحدة" بالنصب مسندا للفعل إلى الجار والمجرور. فإن قلت: هما نفختان، فلم قيل: واحدة؟ قلت: معناه أنها لا تثنى في وقتها. فإن قلت: فأي النفختين هي؟ قلت: الأولى؛ لأن عندها فساد العالم، وهكذا الرواية عن ابن عباس . وقد روي عنه أنها الثانية. فإن قلت: أما قال بعد: يومئذ تعرضون والعرض إنما هو عند النفخة الثانية؟ قلت: جعل اليوم اسما للحين الواسع الذي تقع فيه النفختان والصعقة والنشور والوقوف والحساب، فلذلك قيل: يومئذ تعرضون كما تقول: جئته عام كذا; وإنما كان مجيئك في وقت واحد من أوقاته "وحملت" ورفعت من جهاتها بريح بلغت من قوة عصفها أنها تحمل الأرض والجبال. أو بخلق من الملائكة. أو بقدرة الله من غير سبب. وقرئ: "وحملت" بحذف المحمل وهو أحد الثلاثة. "فدكتا" فدكت الجملتان: جملة الأرضين وجملة الجبال، فضرب بعضها ببعض حتى تندق وترجع كثيبا مهيلا وهباء منبثا والدك أبلغ من الدق. وقيل: فبسطتا بسطة واحدة، فصارتا أرضا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، من قولك: اندك السنام إذا انفرش. وبعير أدك. وناقة دكاء. ومنه: الدكان. فيومئذ وقعت الواقعة فحينئذ نزلت النازلة وهي القيامة "واهية" مسترخية ساقطة القوة جدا بعد ما كانت محكمة مستمسكة. يريد: والخلق الذي يقال له الملك، ورد إليه الضمير مجموعا في قوله: "فوقهم" على المعنى: فإن قلت: ما [ ص: 198 ] الفرق بين قوله: "والملك"، وبين أن يقال "والملائكة"؟ قلت: الملك أعم من الملائكة، ألا ترى أن قولك: ما من ملك إلا وهو شاهد، أعم من قولك: ما من ملائكة؟ على أرجائها على جوانبها: الواحد رجا مقصور، يعني: أنها تنشق، وهي مسكن الملائكة، فينضوون إلى أطرافها وما حولها من حافاتها "ثمانية" أي: ثمانية منهم. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " هم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فيكونون ثمانية " وروي: ثمانية أملاك: أرجلهم في تخوم الأرض السابعة، والعرش فوق رؤوسهم، وهم مطرقون مسبحون. وقيل: بعضهم على صورة الإنسان، وبعضهم على صورة الأسد، وبعضهم على صورة الثور، وبعضهم على صورة النسر. وروي: ثمانية أملاك في خلق الأوعال، ما بين أظلافها إلى ركبها: مسيرة سبعين عاما. وعن شهر بن حوشب: أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك; وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك. وعن الحسن : الله أعلم كم هم، أثمانية أم ثمانية آلاف؟ وعن الضحاك: ثمانية صفوف لا [ ص: 199 ] يعلم عددهم إلا الله. ويجوز أن تكون الثمانية من الروح، أو من خلق آخر، فهو القادر على كل خلق، سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون [يس: 36]. العرض: عبارة عن المحاسبة والمساءلة. شبه ذلك بعرض السلطان العسكر لتعرف أحواله. وروي أن في يوم القيامة ثلاث عرضات. فأما عرضتان فاعتذار واحتجاج وتوبيخ، وأما الثالثة ففيها تنشر الكتب فيأخذ الفائز كتابه بيمينه والهالك كتابه بشماله "خافية" سريرة وحال كانت تخفى في الدنيا بستر الله عليكم.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية