الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة كلا بل لا يخافون الآخرة كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة

                                                                                                                                                                                                عن التذكرة عن التذكير وهو العظة، يريد: القرآن أو غيره من المواعظ و معرضين نصب على الحال، كقولك: ما لك قائما. والمستنفرة: الشديدة النفار كأنها تطلب النفار من نفوسها في جمعها له وحملها عليه. وقرئ بالفتح: وهي المنفرة المحمولة على النفار. والقسورة: جماعة الرماة الذين يتصيدونها. وقيل: الأسد. يقال: ليوث قساور. وهي فعولة من القسر: وهو القهر والغلبة، وفي وزنه "الحيدرة" من أسماء الأسد. وعن ابن عباس : ركز الناس وأصواتهم. وعن عكرمة : ظلمة الليل، شبههم في إعراضهم عن القرآن واستماع الذكر والموعظة وشرادهم عنه، بحمر جدت في نفارها مما أفزعها. وفي تشبيههم بالحمر: مذمة ظاهرة وتهجين لحالهم بين. كما في قوله: كمثل الحمار يحمل أسفارا [الجمعة: 5]. وشهادة عليهم بالبله وقلة العقل. ولا ترى مثل نفار حمير الوحش واطرادها في العدو إذا رأبها رائب; ولذلك كان أكثر تشبيهات العرب في وصف الإبل وشدة سيرها بالحمر، وعدوها إذا وردت ماء فأحست عليه بقانص.

                                                                                                                                                                                                صحفا منشرة قراطيس تنشر وتقرأ كالكتب التي يتكاتب بها أو كتبا كتبت في السماء ونزلت بها الملائكة ساعة كتبت منشرة على أيديها غضة رطبة لم تطو بعد; وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لن نتبعك حتى تأتي كل واحد منا بكتب من السماء عنوانها من رب العالمين إلى فلان بن فلان، نؤمر فيها باتباعك. ونحوه قوله: ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه [الإسراء: 93]. وقال: ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم [الأنعام: 7]. الآية.. وقيل: قالوا: إن كان محمد صادقا فليصبح عند رأس كل رجل منا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار. وقيل: كانوا يقولون: بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح مكتوبا على رأسه ذنبه وكفارته، فأتنا بمثل ذلك; وهذا من الصحف المنشرة بمعزل. إلا أن يراد بالصحف المنشرة: [ ص: 264 ] الكتابات الظاهرة المكشوفة. وقرأ سعيد بن جبير: "صحفا منشرة" بتخفيفهما، على أن أنشر الصحف ونشرها: واحد، كأنزله ونزله. ردعهم بقوله: كلا عن تلك الإرادة، وزجرهم عن اقتراح الآيات، ثم قال: بل لا يخافون الآخرة فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف، ثم ردعهم عن إعراضهم عن التذكرة وقال: إنه تذكرة يعني تذكرة بليغة كافية، مبهم أمرها في الكفاية فمن شاء أن يذكره ولا ينساه ويجعله نصب عينه فعل، فإن نفع ذلك راجع إليه. والضمير في: إنه و ذكره للتذكرة في قوله: فما لهم عن التذكرة معرضين [المدثر: 49]. وإنما ذكر لأنها في معنى الذكر أو القرآن وما يذكرون إلا أن يشاء الله يعني: إلا أن يقسرهم على الذكر ويلجئهم إليه؛ لأنهم مطبوع على قلوبهم، معلوم أنهم لا يؤمنون اختيارا هو أهل التقوى وأهل المغفرة هو حقيق بأن يتقيه عباده، ويخافوا عقابه، فيؤمنوا ويطيعوا، وحقيق بأن يغفر لهم إذا آمنوا وأطاعوا. وروى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو أهل أن يتقى، وأهل أن يغفر لمن اتقاه " وقرئ: يذكرون بالياء والتاء مخففا ومشددا.

                                                                                                                                                                                                عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ سورة [المدثر] أعطاه الله عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد وكذب به بمكة ".

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية