الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                مالك يوم الدين قرئ: "ملك يوم الدين، ومالك ، وملك بتخفيف اللام ، وقرأ أبو حنيفة -رضي الله عنه-: ملك يوم الدين، بلفظ الفعل ونصب اليوم، وقرأ أبو هريرة رضي الله عنه: ( مالك ) بالنصب. وقرأ غيره: ملك، وهو نصب على المدح، ومنهم من قرأ: مالك بالرفع، وملك هو الاختيار; لأنه قراءة أهل الحرمين، ولقوله: لمن الملك اليوم [غافر: 16]، ولقوله: ملك الناس [الناس: 2] ولأن الملك يعم والملك يخص. ويوم الدين: يوم الجزاء، ومنه قولهم: "كما تدين تدان" وبيت الحماسة [من الهزج]:

                                                                                                                                                                                                [ ص: 116 ]

                                                                                                                                                                                                ولم يبق سوى العدوا ن دناهم كما دانوا



                                                                                                                                                                                                فإن قلت: ما هذه الإضافة؟ قلت: هي إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على طريق الاتساع، مجرى مجرى المفعول به، كقولهم: يا سارق الليلة أهل الدار، والمعنى على الظرفية، ومعناه: مالك الأمر كله في يوم الدين، كقوله: لمن الملك اليوم [غافر: 16] فإن قلت: فإضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقية، فلا تكون معطية معنى التعريف، فكيف ساغ وقوعه صفة للمعرفة؟ قلت: إنما تكون غير حقيقية إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال، فكان في تقدير الانفصال، كقولك: مالك الساعة أو غدا، فأما إذا قصد معنى الماضي، كقولك: هو مالك عبده أمس، أو زمان مستمر، كقولك: زيد مالك العبيد، كانت الإضافة حقيقية، كقولك: مولى العبيد، وهذا هو المعنى في: مالك يوم الدين ، ويجوز أن يكون المعنى: ملك الأمور يوم الدين، كقوله: ونادى أصحاب الجنة [ ص: 117 ] [الأعراف: 44] ونادى أصحاب الأعراف [الأعراف: 48]، والدليل عليه قراءة أبي حنيفة : "ملك يوم الدين" وهذه الأوصاف التي أجريت على الله سبحانه - من كونه ربا مالكا للعالمين لا يخرج منهم شيء من ملكوته وربوبيته، ومن كونه منعما بالنعم كلها الظاهرة والباطنة والجلائل والدقائق، ومن كونه مالكا للأمر كله في العاقبة يوم الثواب والعقاب بعد الدلالة على اختصاص الحمد به، وأنه به حقيق في قوله: الحمد لله - دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه بما هو أهله.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية