الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين

                                                                                                                                                                                                ذكر غير المتقين من المسلمين ، وأمر بإنذارهم ; ليتقوا ، ثم أردفهم ذكر المتقين منهم ، [ ص: 350 ] وأمره بتقريبهم وإكرامهم ، وألا يطيع فيهم من أراد بهم خلاف ذلك ، وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم ، أي : عبادته ، ويواظبون عليها ، والمراد بذكر الغداة والعشي : الدوام .

                                                                                                                                                                                                وقيل معناه : يصلون صلاة الصبح والعصر ، ووسمهم بالإخلاص في عبادتهم بقوله : يريدون وجهه ، والوجه يعبر به عن ذات الشيء وحقيقته ، روي أن رءوسا من المشركين قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو طردت عنا هؤلاء الأعبد ; يعنون : فقراء المسلمين ، وهم : عمار ، وصهيب ، وبلال ، وخباب ، وسلمان ، وأضرابهم - رضوان الله عليهم - وأرواح جبابهم - وكانت عليهم جباب من صوف - جلسنا إليك وحادثناك ، فقال عليه الصلاة والسلام : " ما أنا بطارد المؤمنين" ، فقالوا : فأقمهم عنا إذا جئنا ، فإذا قمنا ، فأقعدهم معك إن شئت ، فقال : " نعم" ، طمعا في إيمانهم ، وروي أن عمر - رضي الله عنه - قال : لو فعلت حتى ننظر إلى ما يصيرون ، قال : فاكتب بذلك كتابا ، فدعا بصحيفة ، وبعلي - رضي الله عنه ليكتب ; فنزلت ، فرمى بالصحيفة ، واعتذر عمر من مقالته .

                                                                                                                                                                                                قال سلمان وخباب : فينا نزلت ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقعد معنا ، ويدنو منا حتى تمس ركبتنا ركبته ، وكان يقوم عنا إذا أراد القيام ; فنزلت : واصبر نفسك مع الذين يدعون [ ص: 351 ] ربهم [الكهف : 28] فترك القيام عنا إلى أن نقوم عنه ، وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي ، معكم المحيا ، ومعكم الممات ما عليك من حسابهم من شيء ; كقوله : إن حسابهم إلا على ربي [الشعراء : 113] ، وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم ، فقال : ما عليك من حسابهم من شيء بعد شهادته لهم بالإخلاص ، وبإرادة وجه الله في أعمالهم على معنى : وإن كان الأمر على ما يقولون عند الله ، فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر ، والاتسام بسيمة المتقين ، وإن كان لهم باطن غير مرضي ، فحسابهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك ، كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم ; كقوله : ولا تزر وازرة وزر أخرى [فاطر : 7] .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : أما كفى قوله : ما عليك من حسابهم من شيء حتى ضم إليه : وما من حسابك عليهم من شيء ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة ، وقصد بهما مؤدى واحد ، وهو المعني في قوله : ولا تزر وازرة وزر أخرى [فاطر : 18] ، ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعا ; كأنه قيل : لا تؤاخذ أنت ، ولا هم بحساب صاحبه .

                                                                                                                                                                                                [ ص: 352 ] وقيل : الضمير للمشركين ، والمعنى : لا يؤاخذون بحسابك ، ولا أنت بحسابهم ، حتى يهمك إيمانهم ، ويحرك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين فتطردهم : جواب النفي فتكون من الظالمين : جواب النهي ، ويجوز أن يكون عطفا على فتطردهم ، على وجه التسبيب ; لأن كونه ظالما مسبب عن طردهم .

                                                                                                                                                                                                وقرئ : " بالغدوة والعشي" .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية