الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين

                                                                                                                                                                                                حمولة وفرشا : عطف على جنات ، أي : وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال ، وما يفرش للذبح ، أو ينسج من وبره وصوفه ، وشعره الفرش .

                                                                                                                                                                                                وقيل : "الحمولة" : الكبار التي تصلح للحمل ، "والفرش" : الصغار ، كالفصلان ، والعجاجيل ، والغنم ; لأنها دانية من الأرض للطافة أجرامها ، مثل الفرش المفروش عليها ولا تتبعوا خطوات الشيطان : في التحليل والتحريم من عند أنفسكم ، كما فعل أهل الجاهلية ثمانية أزواج : بدل من حمولة وفرشا ، "اثنين" : زوجين اثنين ، يريد الذكر والأنثى ، كـ “الجمل ، والناقة ، والثور والبقرة ، والكبش ، والنعجة ، والتيس ، والعنز" والواحد إذا كان وحده فهو فرد ، فإذا كان معه غيره من جنسه ، سمي كل واحد منها زوجا ، وهما زوجان ; بدليل قوله : خلق الزوجين الذكر والأنثى ; والدليل عليه قوله تعالى : ثمانية أزواج ; ثم فسرها بقوله : من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ، ونحو تسميتهم الفرد بالزوج ، بشرط أن يكون معه آخر من جنسه : تسميتهم الزجاجة كأسا بشرط أن يكون فيها خمر ، و “ الضأن ، والمعز" جمع "ضائن ، وماعز" ، كـ “تاجر وتجر" ، وقرئا بفتح العين ، وقرأ أبي : "ومن المعزى" وقرئ : "اثنان" ، على الابتداء .

                                                                                                                                                                                                الهمزة في "الذكرين" : للإنكار ، والمراد بالذكرين : الذكر من الضأن ، والذكر من [ ص: 406 ] المعز ، وبالاثنين : الأنثى من الضأن ، والأنثى من المعز ، على طريق الجنسية ، والمعنى : إنكار أن يحرم الله - تعالى - من جنسين الغنم ضأنها ، ومعزها شيئا من نوعي ذكورها وإناثها ، ولا مما تحمل إناث الجنسين ; وكذلك الذكران من جنسي الإبل والبقر ، والأنثيان منهما وما تحمل إناثهما ، وذلك أنهم كانوا يحرمون ذكورة الأنعام تارة ، وإناثها تارة ، وأولادهما كيفما كانت ذكورا وإناثا ، أو مختلطة تارة ، وكانوا يقولون : قد حرمها الله ، فأنكر ذلك عليهم نبئوني بعلم أخبروني بأمر معلوم من جهة الله - تعالى - يدل على تحريم ما حرمتم إن كنتم صادقين : في أن الله حرمه أم كنتم شهداء : بل أكنتم شهداء ، ومعنى "الهمزة" : "الإنكار" ، يعني : أم شاهدتم ربكم حين أمركم بهذا التحريم؟ وذكر المشاهدة على مذهبهم ; لأنهم كانوا لا يؤمنون برسول ، وهم يقولون : الله حرم هذا الذي نحرمه ، فتهكم بهم في قوله : أم كنتم شهداء ، على معنى : أعرفتم التوصية به مشاهدين ; لأنكم لا تؤمنون بالرسل فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا : فنسب إليه تحريم ما لم يحرم ليضل الناس : وهو " عمرو بن لحي بن قمعة" الذي بحر البحائر ، وسيب السوائب .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية