الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون

                                                                                                                                                                                                "تعال" : من الخاص الذي صار عاما ، وأصله : أن يقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه ، ثم كثر ، واتسع فيه حتى عم ، و ما حرم : منصوب بفعل التلاوة ، أي : أتل الذي حرمه ربكم ، أو يحرم بمعنى : قل أي شيء حرم ربكم؟ لأن التلاوة من القول ، و “ أن" في ألا تشركوا : مفسرة و "لا" : النهي .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : هلا قلت : هي التي تنصب الفعل ، وجعلت "ألا تشركوا" بدلا من "ما حرم"؟

                                                                                                                                                                                                قلت : وجب أن يكون "لا تشركوا" و "لا تقربوا" و "لا تقتلوا" ، و "لا تتبعوا السبل" : [ ص: 412 ] نواهي لانعطاف الأوامر عليها ، وهي قوله : وبالوالدين إحسانا ; لأن التقدير : وأحسنوا بالوالدين إحسانا ، "وأوفوا" وإذا قلتم فاعدلوا [الأنعام : 152] وبعهد الله أوفوا .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : فما تصنع بقوله : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه [الأنعام : 153] فيمن قرأ بالفتح ; وإنما يستقيم عطفه على أن لا تشركوا ، إذا جعلت أن هي الناصبة للفعل ، حتى يكون المعنى : أتل عليكم نفي الإشراك والتوحيد ، وأتل عليكم أن هذا صراطي مستقيما؟

                                                                                                                                                                                                قلت : أجعل قوله : وأن هذا صراطي مستقيما [الأنعام : 153] علة للاتباع بتقدير اللام ; كقوله تعالى : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا [الجن : 18] بمعنى : ولأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ، والدليل عليه القراءة بالكسر ، كأنه قيل : "واتبعوا صراطي ; لأنه مستقيم" ، أو : "واتبعوا صراطي ; إنه مستقيم" .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : إذا جعلت "أن" : مفسرة لفعل التلاوة ، وهو معلق بما حرم ربكم ، وجب أن يكون ما بعده منهيا عنه محرما كله ، كالشرك وما بعده مما دخل عليه حرف النهي ، مما تصنع بالأوامر؟

                                                                                                                                                                                                قلت لما وردت هذه الأوامر مع النواهي ، وتقدمهن جميعا فعل التحريم ، واشتركن في الدخول تحت حكمه ، علم أن التحريم راجع إلى أضدادها ، وهي الإساءة إلى الوالدين ، وبخس الكيل والميزان ، وترك العدل في القول ، ونكث عهد الله من إملاق : من أجل فقر ومن خشيته ; كقوله تعالى : خشية إملاق [الإسراء : 31] . ما ظهر منها وما بطن : مثل قوله : ظاهر الإثم وباطنه [الأنعام : 120] . إلا بالحق كالقصاص ، والقتل على الردة ، والرجم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية