الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون

                                                                                                                                                                                                أن يعمروا مساجد الله : ما صح لهم وما استقام، أن يعمروا مساجد الله : يعني: المسجد الحرام، لقوله: وعمارة المسجد الحرام ، وأما القراءة بالجمع ففيها وجهان، أحدهما: أن يراد: المسجد الحرام; وإنما قيل: مساجد; لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها، فعامره كعامر جميع المساجد، ولأن كل بقعة منه مسجد.

                                                                                                                                                                                                والثاني: أن يراد جنس المساجد، وإذا لم يصلحوا لأن يعمروا جنسها، دخل تحت ذلك ألا يعمروا المسجد الحرام الذي هو صدر الجنس ومقدمته وهو آكد; لأن طريقته طريقة الكناية; كما لو قلت: فلان لا يقرأ كتب الله، كنت أنفي لقراءته القرآن من تصريحك بذلك، و "شاهدين": حال من الواو في: "يعمروا"، والمعنى: ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين: عمارة متعبدات الله، مع الكفر بالله وبعبادته، ومعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر: ظهور كفرهم، وأنهم نصبوا أصنامهم حول البيت، وكانوا يطوفون عراة ويقولون: لا نطوف عليها بثياب قد أصبنا فيها المعاصي، وكلما طافوا بها شوطا سجدوا لها، وقيل: هو قولهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، وقيل: قد أقبل المهاجرون والأنصار على أسارى بدر فعيروهم بالشرك، فطفق علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يوبخ العباس بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقطيعة الرحم، وأغلظ له في القول، فقال العباس : تذكرون مساوينا، وتكتمون محاسننا، فقال: أو لكم محاسن؟ قالوا: نعم، ونحن أفضل منكم أجرا; إنا لنعمر المسجد الحرام . ونحجب [ ص: 21 ] الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني، فنزلت: حبطت أعمالهم : التي هي العمارة والحجابة، والسقاية، وفك العناة، وإذا هدم الكفر أو الكبيرة الأعمال الثابتة الصحيحة إذا تعقبها، فما ظنك بالمقارن، وإلى ذلك أشار في قوله: "شاهدين"; حيث جعله حالا عنهم، ودل على أنهم قارنون بين العمارة والشهادة بالكفر على أنفسهم في حال واحدة; وذلك محال غير مستقيم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية