الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 59 ]

                                                                                                                                                                                                                                        ( وذا النون ) وصاحب الحوت يونس بن متى ( إذ ذهب مغاضبا ) لقومه لما برم بطول دعوتهم وشدة شكيمتهم وتمادي إصرارهم مهاجرا عنهم ، قبل أن يؤمر وقيل وعدهم بالعذاب فلم يأتهم لميعادهم بتوبتهم ولم يعرف الحال فظن أنه كذبهم وغضب من ذلك ، وهو من بناء المغالبة للمبالغة أو لأنه أغضبهم بالمهاجرة لخوفهم لحوق العذاب عندها وقرئ «مغضبا » . ( فظن أن لن نقدر عليه ) لن نضيق عليه أو لن نقضي عليه بالعقوبة من القدر ، ويعضده أنه قرئ مثقلا أو لن نعمل فيه قدرتنا وقيل هو تمثيل لحاله بحال من ظن أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه من غير انتظار لأمرنا ، أو خطرة شيطانية سبقت إلى وهمه فسميت ظنا للمبالغة . وقرئ بالياء وقرأ يعقوب على البناء للمفعول وقرئ به مثقلا . ( فنادى في الظلمات ) في الظلمة الشديدة المتكاثفة أو ظلمات بطن الحوت والبحر والليل . ( أن لا إله إلا أنت ) بأنه لا إله إلا أنت .

                                                                                                                                                                                                                                        ( سبحانك ) من أن يعجزك شيء . ( إني كنت من الظالمين ) لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة .

                                                                                                                                                                                                                                        وعن النبي عليه الصلاة والسلام «ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له » .

                                                                                                                                                                                                                                        ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم ) بأن قذفه الحوت إلى الساحل بعد أربع ساعات كان في بطنه . وقيل ثلاثة أيام والغم غم الالتقام وقيل غم الخطيئة . ( وكذلك ننجي المؤمنين ) من غموم دعوا الله فيها بالإخلاص وفي الإمام : «نجي » ولذلك أخفى الجماعة النون الثانية فإنها تخفى مع حروف الفم ، وقرأ ابن عامر وأبو بكر بتشديد الجيم على أن أصله ننجي فحذفت النون الثانية كما حذفت التاء الثانية في ( تظاهرون ) ، وهي وإن كانت فاء فحذفها أوقع من حذف حرف المضارعة التي لمعنى ولا يقدح فيه اختلاف حركتي النونين فإن الداعي إلى الحذف اجتماع المثلين مع تعذر الإدغام وامتناع الحذف في ( تتجافى ) ، لخوف اللبس . وقيل هو ماض مجهول أسند إلى ضمير المصدر وسكن آخره تخفيفا ورد بأنه لا يسند إلى المصدر والمفعول مذكور والماضي لا يسكن آخره .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية