الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم

                                                                                                                                                                                                                                        إلا تنصروه فقد نصره الله أي إن لم تنصره فسينصره الله كما نصره . إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين ولم يكن معه إلا رجل واحد ، فحذف الجزاء وأقيم ما هو كالدليل عليه مقامه ، أو إن لم تنصروه فقد أوجب الله له النصر حتى نصره في مثل ذلك الوقت فلن يخذله في غيره ، وإسناد الإخراج إلى الكفرة لأن همهم بإخراجه أو قتله تسبب لإذن الله له بالخروج . وقرئ « ثاني اثنين » بالسكون على لغة من يجري المنقوص مجرى المقصور في الإعراب ونصبه على الحال . إذ هما في الغار بدل من إذ أخرجه بدل البعض إذ المراد به زمان متسع ، والغار نقب في أعلى ثور وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثا . إذ يقول بدل ثان أو ظرف لثاني . لصاحبه وهو أبو بكر رضي الله تعالى عنه لا تحزن إن الله معنا بالعصمة والمعونة .

                                                                                                                                                                                                                                        روي أن المشركين طلعوا فوق الغار فأشفق أبو بكر رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما ظنك باثنين الله ثالثهما » ، فأعماهم الله عن الغار فجعلوا يترددون حوله فلم يروه .

                                                                                                                                                                                                                                        وقيل لما دخلا الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه . فأنزل الله سكينته أمنته التي تسكن عندها القلوب . عليه على النبي صلى الله عليه وسلم ، أو على صاحبه وهو الأظهر لأنه كان منزعجا . وأيده بجنود لم تروها يعني الملائكة أنزلهم ليحرسوه في الغار أو ليعينوه على العدو يوم بدر والأحزاب وحنين ، فتكون الجملة معطوفة على قوله نصره الله . وجعل كلمة الذين كفروا السفلى يعني الشرك أو دعوة الكفر . وكلمة الله هي العليا يعني التوحيد أو دعوة الإسلام ، والمعنى وجعل ذلك بتخليص [ ص: 82 ] الرسول صلى الله عليه وسلم عن أيدي الكفار إلى المدينة فإنه المبدأ له ، أو بتأييده إياه بالملائكة في هذه المواطن أو بحفظه ونصره له حيث حضر . وقرأ يعقوب وكلمة الله بالنصب عطفا على كلمة الذين ، والرفع أبلغ لما فيه من الإشعار بأن (كلمة الله) عالية في نفسها وإن فاق غيرها فلا ثبات لتفوقه ولا اعتبار ولذلك وسط الفصل . والله عزيز حكيم في أمره وتدبيره .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية