الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل من كان عدوا لجبريل فإنه نـزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين

                                                                                                                                                                                                                                      97 - قل من كان عدوا لجبريل بفتح الجيم وكسر الراء بلا همز، مكي. وبفتح الراء والجيم والهمز مشبعا، كوفي غير حفص. وبكسر الراء والجيم بلا همز، غيرهم. ومنع الصرف فيه للتعريف والعجمة. ومعناه: عبد الله; لأن جبر هو العبد بالسريانية، وإيل اسم الله. روي أن ابن صوريا -من أحبار اليهود- حاج النبي صلى الله عليه وسلم، وسأله عمن يهبط عليه بالوحي، فقال: "جبريل"، فقال: ذاك عدونا، ولو كان غيره لآمنا لك، وقد عادانا مرارا، وأشدها أنه أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخربه بختنصر، فبعثنا من يقتله فلقيه ببابل غلاما مسكينا، فدفع عنه جبريل، وقال: إن كان ربكم أمره بهلاككم، فإنه لا يسلطكم عليه، وإن لم يكن إياه فعلى أي ذنب تقتلونه؟! فإنه نـزله فإن جبريل نزل القرآن. ونحو هذا الإضمار، أعني: إضمار ما لم يسبق ذكره، فيه فخامة حيث يجعل لفرط شهرته، كأنه يدل على نفسه، ويكتفي عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته. على قلبك أي: حفظه إياك، وخص القلب; لأنه محل الحفظ، كقوله: نـزل به الروح الأمين على قلبك [الشعراء: 193-194]. وكان حق الكلام أن يقال: على قلبي، ولكن جاء على حكاية كلام الله كما تكلم به، وإنما استقام أن يقع (فإنه نزله) جزاء للشرط; لأن تقديره: إن عادى جبريل أحد من أهل الكتاب فلا وجه لمعاداته، حيث نزل كتابا مصدقا للكتب بين يديه، فلو أنصفوا لأحبوه، وشكروا له صنيعه في إنزاله ما ينفعهم، ويصحح المنزل عليه، وقيل: جواب الشرط محذوف، تقديره: من كان عدوالجبريل فليمت غيظا، فإنه نزل الوحي على قلبك بإذن الله بأمره مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين رد على اليهود حين قالوا: إن جبريل ينزل بالحرب والشدة، فقيل: فإنه ينزل [ ص: 114 ] بالهدى والبشرى أيضا. بإذن الله حال من ضمير الفاعل في نزل، أي: مأذونا له، ومصدقا: حال من الهاء في نزله، وكذا هدى وبشرى، أي: هاديا ومبشرا. وقالت الباطنية: القرآن لم ينزل على رسول الله بالأحرف التي نقرأها، ولكنه إلهام أنزل على قلبه، إلا أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبره بالعربية، وبهذه الحروف التي نقرأها، فالقرآن ذلك الباطن لا هذه الألفاظ; لقوله: نـزله على قلبك ولكنا نقول: هذا فاسد; لأن الله تعالى جعله معجزا بنظمه العجيب حيث قال: فأتوا بسورة من مثله [البقرة: 23] وقال: إنا أنـزلناه قرآنا عربيا [يوسف: 2] وهذا يتعلق بالنظر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية