الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أإنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين

أمر البيوت وخرابها مما أخبر الله تعالى، ففي كل الشرائع أنه إنما يعاقب به الظلمة، وفي التوراة: (ابن آدم ، لا تظلم، يخرب بيتك)، و "خاوية" نصب على الحال التي فيها الفائدة، ومعناها: الخالية قفرا، قال الزجاج : وقرئت "خاوية" بالرفع، وذلك على الابتداء المضمر، والتقدير: هي خاوية، أو عن الخبر عن "تلك" و "بيوتهم" بدل على خبر ثان، وهذه البيوت المشار إليها هي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم عام تبوك : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين... الحديث.

ثم قال تبارك وتعالى: ولوطا ، تقديره: واذكر لوطا . و "الفاحشة": إتيان الرجال في الأدبار "تبصرون" معناه: بقلوبكم أنها خطيئة وفاحشة. وقالت فرقة: تبصرون بأبصاركم; لأنكم تتكشفون بفعل ذلك ولا يستتر بعضهم من بعض.

[ ص: 548 ] واختلف القراء في قوله: " أإنكم " ، وقد تقدم. وقرأ جمهور القراء: "جواب" نصبا، وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق : "جواب" بالرفع، ونسب ابن جني قراءة الرفع إلى الحسن ، وفسرها في الشاذ.

وأخبر الله تعالى عن قوم لوط أنهم كانوا تركوا في جوابهم طريق الحجة، وأخذوا بالمغالبة، فتآمروا بإخراجه وإخراج من آمن معه، ثم ذموهم بمدحه وهي التطهر من هذه الدناءة التي أصفقوا عليها. قال قتادة : عابوهم والله بغير عيب. وقرأ عاصم -في رواية أبي بكر -: "قدرناها" بتخفيف الدال، وقرأ جمهور القراء بشد الدال، الأولى بمعنى: جعلناها وحصلناها، والثانية بمعنى: قدرنا عليها، من القدر والقضاء.

و "الغابرون": الباقون في العذاب، وغبر بمعنى بقي، وقد يجيء أحيانا في بعض كلام العرب ما يوهم أنه بمعنى مضى، وإذا تؤمل توجه حمله على معنى البقاء، والمطر الذي أمطر عليهم هو حجارة السجين أهلكت جميعهم، وهذه الآية أصل لمن جعل من الفقهاء الرجم في اللوطية، وبها تأنس لأن الله تعالى عذبهم على كفرهم به، وأرسل عليهم الحجارة لمعصيتهم، ولم يقس هذا القول على الزنى فيعتبر الإحصان، بل قال مالك وغيره: يرجمان في اللوطية أحصنا أو لم يحصنا، وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: اقتلوا الفاعل والمفعول به ، فذهب من ذهب إلى رجمهما بهذه الآية.

التالي السابق


الخدمات العلمية