الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 143 ] قوله عز وجل:

إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا

قوله تعالى: إن تبدوا شيئا أو تخفوه الآية... وعيد وتوبيخ ووعيد لمن تقدم به التعريض في الآية قبلها، ممن أشير إليه بقوله: ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ، ومن أشير إليه في قوله: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ، فقيل لهم في هذه الآية: إن الله يعلم ما تخفونه من هذه المعتقدات والخواطر المكروهة، ويجازيكم عليها، ثم ذكر تبارك وتعالى الإباحة فيمن سمى من القرابة; إذ لا تقضي أحوال البشر إلا مداخلة من ذكر، وكثرة ترداده، وسلامة نفسه من أمر الغزل; لما تتحاشاه النفوس من ذوات المحارم، فمن ذلك الآباء والأولاد والإخوة وأبناؤهم وأبناء الأخوات.

وقوله تعالى: ولا نسائهن دخل فيه الأخوات والأمهات وسائر القرابات ومن يتصل من المنصرفات لهن، هذا قول جماعة من أهل العلم، ويؤيد قولهم هذه الإضافة المخصصة في قول: "نسائهن"، وقال ابن زيد وغيره: إنما أراد جميع النساء المؤمنات، وتخصيص الإضافة إنما هي في الإيمان.

وقوله: أو ما ملكت أيمانهن قالت طائفة: من الإماء دون العبيد، وقالت طائفة: من العبيد والإماء، ثم اختلفت هذه الطائفة، فقالت فرقة: ما ملكته من العبيد دون من ملك سواهن، وقالت فرقة: بل من جميع العبيد، كان في ملكهن أو في ملك غيرهن، والمكاتب إذا كان عنده ما يؤدي فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب الحجاب دونه، وفعلت ذلك أم سلمة مع مكاتبها نبهان، ذكره الزهراوي .

وقالت فرقة: دخل الأعمام في الآباء، وقال الشعبي ، وعكرمة : لم يذكرهم لإمكان أن يصفوا لأبنائهم، وكذلك الأخوال، وكرهوا أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها.

واختلف المتأولون في المعنى الذي رفع فيه الجناح بهذه الآية، فقال قتادة : هو الحجاب، أي: أبيح لهذه الأصناف الدخول على النساء دون الحجاب ورؤيتهن، وقال مجاهد ; ذلك في رفع الجلباب وإبداء الزينة.

[ ص: 144 ] ولما ذكر الله تعالى الرخصة في هذه الأصناف، وانجزمت الإباحة، عطف فأمرهن بالتقوى عطف جملة، على جملة وهذا في غاية البلاغة والإيجاز، كأنه قال: اقتصرن على هذا واتقين الله فيه أن تتعدينه إلى غيره، ثم توعد تبارك وتعالى بقوله: إن الله كان على كل شيء شهيدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية