الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال

قوله تعالى: "ذلك" إشارة إلى أخذه إياهم بذنوبهم وإن لم يكن لهم منه واق، ثم ذكر تعالى أن السبب في إهلاكهم هو ما قريش عليه من أن جاءهم رسول من الله ببينات من المعجزات والبراهين فكفروا به، وذكر أن الله تعالى أخذهم، ووصف نفسه [ ص: 434 ] بالقوة وشدة العقاب، وهذا كله بيان في وعيد قريش.

ثم ابتدأ تبارك وتعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون وملئه، وهي قصة فيها للنبي صلى الله عليه وسلم تسلية وأسوة، وفيها لقريش والكفار به وعيد ومثال يخافون منه أن يحل بهم ما حل بأولئك من النقمة، وفيها للمؤمنين وعد ورجاء في النصر والظفر وحمد عاقبة الصبر. وآيات موسى كثيرة، عظمها والذي عرضه على جهة التحدي: العصا واليد، فوقعت المعارضة في العصا وحدها، ثم انفصلت القضية عن إيمان السحرة وغلبة الكافرين. و"السلطان": البرهان، وقرأ عيسى بن عمر : "سلطان" بضم اللام، والناس على سكونها. وخص تعالى هامان وقارون بالذكر تنبيها على مكانهما من الكفر، ولكونهما أشهر رجال فرعون، وقيل: إن قارون هذا ليس بقارون بني إسرائيل، وقيل: هو ذلك، ولكنه كان منقطعا إلى فرعون خادما مستعينا معه. وقوله: "ساحر" أي في أمر العصا، و"كذاب" في قوله: إني رسول من الله.

ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لما جاءهم موسى عليه السلام بالنبوة والحق من عند الله، قال هؤلاء الثلاثة وأجمع رأيهم على أن يقتل أبناء بني إسرائيل أتباع موسى عليه السلام وشبانهم وأهل القوة منهم، وأن تستحيى النساء للخدمة والاسترقاق، وهذا رجوع منهم إلى نحو القتل الأول الذي كان قبل ميلاد موسى عليه السلام، ولكن هذا الأخير لم يتم لهم عزمهم فيه، ولا أعانهم الله تعالى على شيء منه، قال قتادة : هذا قتل غير الأول الذي كان حذر المولود، وسموا من ذكرنا من بني إسرائيل أبناء كما تقول لأفخاذ القبيلة أو المدينة وأهل الظهور فيها: هؤلاء أبناء فلانة.

وقوله تعالى: وما كيد الكافرين إلا في ضلال عبارة وجيزة تعطي قوتها أن هؤلاء الثلاثة لم يقدرهم الله تعالى على قتل أحد من بني إسرائيل، ولا نجحت لهم سعاية فيهم، بل أضل الله سعيهم وكيدهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية