الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا

اختلف الناس في "الروح" المذكورة في هذا الموضع- فقال الشعبي والضحاك : هو جبريل عليه السلام، ذكره خاصة من بين الملائكة تشريفا، وقال ابن مسعود : هو ملك عظيم، أكبر الملائكة خلقة يسمى "بالروح"، وقال ابن زيد : كان أبي يقول هو القرآن، وقد قال الله تعالى: أوحينا إليك روحا من أمرنا

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

فالقيام فيه مستعار يراد بيانه وظهوره وشدة آثاره، والأشياء الكائنة عن تصديقه أو تكذيبه، ومع هذا في القول قلق، وقال مجاهد : الروح خلق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون، وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الروح خلق غير الملائكة، وحفظة للملائكة كما الملائكة حفظة للأنبياء ولنا"، وقال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة : الروح

[ ص: 524 ] هنا اسم جنس: يراد به أرواح بني آدم، والمعنى: يوم تقوم الروح في أجسادها إثر البعث والنشأة الآخرة، ويكون الجميع من الإنس والملائكة صفا، ولا يتكلم أحد هيبة وفزعا، إلا من أذن له الرحمن من ملك أو نبي، وكان أهلا أن يقول صوابا في ذلك الموطن، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الضمير في "يتكلمون" عائد على الناس خاصة و"الصواب" المشار إليه هو "لا إله إلا الله"، قال عكرمة : أي قالها في الدنيا.

وقوله تعالى: "ذلك اليوم الحق" أي: الحق كونه ووجوده، وفي قوله تعالى: فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا وعد ووعيد وتحريض، و"المآب" : المرجع وموضع الأوبة، والضمير الذي هو الكاف والميم في "أنذرتكم" هو لجميع العالم وإن كانت المخاطبة لمن حضر النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار، و"العذاب القريب" عذاب الآخرة، ووصفه بالقرب لتحقق وقوعه، وأنه آت وكل آت قريب، والجميع داخل في النذارة منه، "ونظر المرء إلى ما قدمت يداه من عمل" قيام للحجة عليه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "المرء" هنا المؤمن، وقرأ ابن أبي إسحاق : "المرء" بضم الميم، وضعفها أبو حاتم . وقوله تعالى: ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا قيل: إن هذا تمن أن يكون شيئا حقيرا لا يحاسب ولا يلتفت إليه، وهذا قد نجده في الخائفين من المؤمنين، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ليتني كنت بعرة"، وقال أبو هريرة ، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إن الله تعالى يحضر البهائم يوم القيامة فيقتص لبعضها من بعض، ثم يقول لها بعد ذلك: كوني ترابا، فيعود جميعها ترابا، فإذا رأى الكفار ذلك تمنى مثله، قال أبو القاسم بن حبيب: رأيت في بعض التفاسير أن الكافر هنا إبليس إذا رأى ما حصل للمؤمنين من بني آدم من الثواب قال: يا ليتني كنت ترابا، أي كآدم الذي خلق من تراب واحتقره هو أولا.

كمل تفسير [سورة النبإ] والحمد لله رب العالمين.

التالي السابق


الخدمات العلمية