الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله - عز وجل -:

قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون

ثم أعقب تعالى أمره نبيه - صلى اللـه عليه وسلم - بتوقيف المشركين على موضع عجزهم؛ بأمره تعالى إياه - صلى اللـه عليه وسلم - بأن يقول - مبينا؛ مفصحا -: قل فلله الحجة البالغة ؛ يريد: البالغة غاية المقصد في الأمر الذي يحتج فيه؛ ثم اعلم بأنه لو شاء تعالى لهدى العالم بأسره.

قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: وهذه الآية ترد على المعتزلة في قولهم: إن الهداية والإيمان إنما هي من العبد؛ لا من الله تعالى ؛ فإن قالوا: معنى "لهداكم": لاضطركم إلى الهدى؛ فسد ذلك بمعتقدهم أن الإيمان الذي يريد الله تعالى من عباده؛ ويثيب عليه؛ ليس الذي يضطر إليه العبد؛ وإنما هو عندهم الذي يقع من العبد وحده.

و"هلم"؛ معناها: "هات"؛ وهي حينئذ متعدية؛ وقد تكون بمعنى: "أقبل"؛ فهي حينئذ لا تتعدى؛ وبعض العرب يجعلها اسما للفعل؛ كـ "رويدك"؛ فيخاطب بها الواحد؛ والجميع؛ والمذكر؛ والمؤنث؛ على حد واحد؛ وبعض العرب يجعلها فعلا؛ فيركب عليها الضمائر؛ فيقول: "هلم يا زيد"؛ و"هلموا أيها الناس"؛ و"هلمي يا هند"؛ ونحو هذا؛ وذكر اللغتين أبو علي في "الإغفال"؛ وقال أبو عبيدة : اللغة الأولى لأهل العالية؛ واللغة الثانية لأهل نجد؛ وقال سيبويه ؛ والخليل : أصلها: "هالم"؛ وقال بعضهم: أصلها "هالمم"؛ وحذفت الألف لالتقاء الساكنين؛ فجاء "هلمم"؛ فحذف من قال: أصلها: "هالم"؛ وأدغم من قال: أصلها "هالمم"؛ على غير قياس.

[ ص: 489 ] ومعنى هذه الآية: "قل هاتوا شهداءكم على تحريم الله تعالى ما زعمتم أنه حرمه"؛ ثم قال الله تعالى لنبيه - عليه الصلاة والسلام -: "فإن شهدوا"؛ أي: "فإن افترى لهم أحد؛ وزور شهادة أو خبرا عن نبوة؛ ونحو ذلك؛ فتجنب أنت ذلك؛ ولا تشهد معهم"؛ وفي قوله تعالى فلا تشهد معهم ؛ قوة وصف شهادتهم بنهاية الزور؛ ولا تتبع أهواء ؛ يريد: "لا تنحط في شهوات الكفرة؛ وتوافقهم أقوالهم"؛ والذين لا يؤمنون ؛ عطف نعت على نعت؛ كما تقول: "جاءني زيد الكريم والعاقل"؛ هذا مذهب معظم الناس؛ وقال النقاش : نزلت في الدهرية من الزنادقة؛ وهم بربهم يعدلون ؛ أندادا؛ يسوونهم به؛ وإن كانت في الزنادقة؛ فعدلهم غير هذا.

التالي السابق


الخدمات العلمية