الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أفعصيت أمري قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي

في سرد القصص اقتضاب يدل عليه ما ذكر، تقديره: فرجع موسى عليه السلام فوجد الأمر كما ذكر الله تعالى له، فجعل يؤنب هارون بهذه المقالة. وقرأ الجمهور : "ألا تتبعن" بحذف الياء، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو بإثباتها في الوصل، ويقف ابن كثير بالياء وأبو عمرو بغير الياء. ويحتمل قوله: "ألا تتبعن" أي ببني إسرائيل نحو جبل الطور ، فيجيء اعتذار هارون عليه السلام بمعنى: إني لو فعلت ذلك مشت معي طائفة وأقامت طائفة على عبادة العجل، فتفرق الجمع، فخفت لومك على التفريق. ويحتمل قوله: "ألا تتبعن" أي ألا تسير بسيري وعلى طريقتي في الإصلاح والتسديد، فيجيء اعتذار هارون عليه السلام بمعنى: إن الأمر كان متفاقما، فلو تقويت عليه وقع القتال واختلاف الكلمة فكان تفريقا بين بني إسرائيل، وإنما لا ينت جهدي.

[ ص: 126 ] وقوله تعالى: "ألا تتبعن" بمعنى: ما منعك أن تتبعني. واختلف الناس في وجه دخول "لا"، فقالت فرقة: هي زائدة، وذهب حذاق النحاة إلى أنها مؤكدة، وأن في الكلام فعلا مقدرا، كأنه قال: ما منعك ذلك، أو خصك، أو نحو هذا على "ألا تتبعن"؟ وما قبل وما بعد يدل على هذا ويقتضيه.

وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : "يابن أم"، فيحتمل أن يريد: "يا بن أما" فحذف الألف تخفيفا، ويحتمل أن يجعل الاسمين اسما واحدا: وبناه كخمسة عشر، وقرأ أبو بكر عن عاصم ، وحمزة ، والكسائي : "يا بن أم" بالكسر على حذف الياء تخفيفا، وهو شاذ لأنها ليست كالياء في قولك: يا غلامي، وإنما هي كالياء في قولك: يا غلام غلامي، وهذه ياء لا تحذف، ويحتمل أن يجعل الاسمين اسما واحدا ثم أضاف إلى نفسه فحذف الياء كما تحذف من الأسماء المفردة إذا أضيفت، نحو يا غلام، وقالت فرقة: لم يكن هارون أخا موسى عليه السلام إلا من أمه.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذا ضعيف. وقالت فرقة: كان شقيقه، وإنما دعاه بأمه لأن التداعي بالأم أشفق وأشد استرحاما، وأخذ موسى عليه السلام بلحية هارون غضبا، وكان حديد الخلق عليه السلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية