الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون

هذه وعيد في ضمن وصفه تعالى سيرته في الأنبياء عليهم السلام من أنه يصدق مواعيدهم، فكذلك يصدق لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ما وعدهم من النصر وظهور الكلمة. وقوله تعالى: ومن نشاء يعني من المؤمنين. و "المسرفون": الكفار المفرطون في غيهم وكفرهم، وكل من ترك الإيمان مسرف.

ثم وبخهم تبارك وتعالى بقوله: لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ، و الكتاب: القرآن، وقوله: فيه ذكركم يحتمل أن يريد: فيه الذكر الذي أنزله الله إليكم بأمر دينكم وآخرتكم ونجاتكم من عذابه، فأضاف الذكر إليهم حيث هو في أمرهم، ويحتمل أن يريد: فيه شرفكم وذكركم آخر الدهر كما تذكر عظام الأمور، وفي هذا تحريض، ثم تأكد التحريض بقوله: أفلا تعقلون ، وحركهم ذلك إلى النظر.

ثم مثل لهم على جهة التوعد بمن سلف من الأمم المعذبة، و "كم" للتكثير، وهي في موضع نصب بـ "قصمنا"، و "قصمنا" معناه: أهلكنا، وأصل القصم: الكسر في الأجرام، فإذا استعير للقوم أو القرية ونحوه فهو ما يشبه الكسر، وهو إهلاكهم، فأوقع هذه الأمور على القرية، والمراد أهلها، وهذا مهيع كثير، ومنه: ما آمنت قبلهم من قرية ، وقوله: وأنشأنا بعدها معناه: خلقنا وأثبتنا أمة أخرى غير المهلكة.

[ ص: 156 ] وقوله تعالى: فلما أحسوا بأسنا وصف عن قرية من القرى المجملة أولا، قيل: كانت باليمن تسمى حضوراء بعث الله تعالى إلى أهلها رسولا فقتلوه، فأرسل إليهم بخت نصر صاحب بني إسرائيل، فهزموا جيشه مرتين، فنهض في الثالثة إليهم بنفسه، فلما هزمهم وأعمل القتل فيهم ركضوا هاربين، ويحتمل ألا يريد بالآية قرية بعينها، وأنه واصف كل قرية من القرى المعذبة، وأن أهل كل قرية كانوا إذا أحسوا العذاب من أي نوع كان أخذوا في الفرار، و "أحسوا": باشروه بالحواس. و "الركض": تحريك القدم على الصفة المعهودة، والفار والجاري بالجملة راكض، إما دابة وإما الأرض تشبيها بالدابة.

التالي السابق


الخدمات العلمية