الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين

                                                                                                                                                                                                                                      وكتبنا له في الألواح من كل شيء ; أي : مما يحتاجون إليه من أمور دينهم .

                                                                                                                                                                                                                                      موعظة وتفصيلا لكل شيء بدل من الجار والمجرور ; أي : كتبنا له كل شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام ، واختلف في عدد الألواح وفي جوهرها ومقدارها ; فقيل : إنها كانت عشرة ألواح ، وقيل : سبعة ، وقيل : لوحين ، وإنها كانت من زمردة جاء بها جبريل عليه السلام ، وقيل : من زبرجدة خضراء ، أو ياقوتة حمراء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : أمر الله تعالى موسى بقطعها من صخرة صماء لينها له ، فقطعها بيده وشققها بأصابعه . وعن الحسن رضي الله عنه : كانت من خشب نزلت من السماء فيها التوراة ، وإن طولها كان عشرة أذرع .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير ، يقرأ الجزء منه في سنة ، لم يقرأها إلا أربعة نفر : موسى ، ويوشع ، وعزير ، وعيسى ، عليهم السلام . وعن مقاتل رضي الله عنه : كتب في الألواح : إني أنا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئا ، ولا تقطعوا السبيل ، ولا تزنوا ، ولا تعقوا الوالدين .

                                                                                                                                                                                                                                      فخذها على إضمار قول معطوف على كتبنا ; أي : فقلنا : خذها .

                                                                                                                                                                                                                                      بقوة بجد وعزيمة ، وقيل : هو بدل من قوله تعالى : " فخذ ما آتيتك " ، والضمير للألواح ، أو لكل شيء ; لأنه بمعنى الأشياء ، أو للرسالة ، أو للتوراة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ; أي : بأحسن ما فيها ، كالعفو والصبر ، بالإضافة إلى الاقتصاص والانتصار على طريقة الندب ، والحث على اختيار الأفضل ، كما في قوله تعالى : واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ، أو بواجباتها ، فإنها [ ص: 271 ] أحسن من المباح .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : يأخذوا بها وأحسن صلة . قال قطرب : أي : بحسنها ، وكلها حسن ، كقوله تعالى : ولذكر الله أكبر . وقيل : هو أن تحمل الكلمة المحتملة لمعنيين ، أو لمعان على أشبه محتملاتها بالحق ، وأقربها إلى الصواب .

                                                                                                                                                                                                                                      سأريكم دار الفاسقين تلوين للخطاب وتوجيه له إلى قومه عليه الصلاة والسلام بطريق الالتفات ، حملا لهم على الجد في الامتثال بما أمروا به ، إما على نهج الوعيد والترهيب ، على أن المراد بدار الفاسقين : أرض مصر ، وديار عاد وثمود ، وأضرابهم ; فإن رؤيتها وهي الخالية عن أهلها خاوية على عروشها ، موجبة للاعتبار والانزجار عن مثل أعمال أهلها ; كي لا يحل بهم ما حل بأولئك .

                                                                                                                                                                                                                                      وإما على نهج الوعد والترغيب ، على أن المراد بدار الفاسقين : إما أرض مصر خاصة ، أو مع أرض الجبابرة والعمالقة بالشام ، فإنها أيضا مما أتيح لبني إسرائيل وكتب لهم حسبما ينطق به قوله عز وجل : يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى الإراءة : الإدخال بطريق الإيراث ، ويؤيده قراءة من قرأ : ( سأورثكم ) بالثاء المثلثة ، كما في قوله تعالى : وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها ، وقرئ : ( سأوريكم ) ، ولعله من أوريت الزند ; أي : سأبينها لكم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية