الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قالت عطف على " إذ يعدون " ، مسوق لتماديهم في العدوان وعدم انزجارهم عنه بعد العظات والإنذارات .

                                                                                                                                                                                                                                      أمة منهم ; أي : جماعة من صلحائهم الذين ركبوا في عظتهم متن كل صعب وذلول ، حتى يئسوا من احتمال القبول لآخرين لا يقلعون عن التذكير رجاء للنفع والتأثير ، مبالغة في الإعذار وطمعا في فائدة الإنذار .

                                                                                                                                                                                                                                      لم تعظون قوما الله مهلكهم ; أي : مخترمهم بالكلية ومطهر الأرض منهم .

                                                                                                                                                                                                                                      أو معذبهم عذابا شديدا دون الاستئصال بالمرة ، وقيل : مهلكهم مخزيهم في الدنيا ، أو معذبهم في الآخرة لعدم إقلاعهم عما كانوا عليه من الفسق والطغيان ، والترديد لمنع الخلو دون منع الجمع ، فإنهم مهلكون في الدنيا ومعذبون في الآخرة ، وإيثار صيغة اسم الفاعل مع أن كلا من الإهلاك والتعذيب مترقب للدلالة على تحققهما وتقررهما البتة ، كأنهما واقعان ، وإنما قالوه مبالغة في أن الوعظ لا ينجع فيهم ، أو ترهيبا للقوم ، أو سؤالا عن حكمة الوعظ ونفعه ، ولعلهم إنما قالوه بمحضر من القوم حثا لهم على الاتعاظ ، فإن بت القول بهلاكهم وعذابهم بما يلقي في قلوبهم الخوف والخشية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المراد : طائفة من الفرقة الهالكة ، أجابوا به وعاظهم ردا عليهم وتهكما بهم ، وليس بذاك كما ستقف عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا ; أي : الوعاظ .

                                                                                                                                                                                                                                      معذرة إلى ربكم ; أي : نعظهم معذرة إليه تعالى ، على أنه مفعول له ، وهو الأنسب بظاهر قولهم : لم تعظون ، أو نعتذر معذرة على أنه مصدر لفعل محذوف ، وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ; أي : موعظتنا معذرة إليه تعالى ، حتى لا ننسب إلى نوع تفريط في النهي عن المنكر ، وفي إضافة الرب إلى ضمير المخاطبين نوع تعريض بالسائلين .

                                                                                                                                                                                                                                      ولعلهم يتقون عطف على معذرة ; أي : ورجاء لأن يتقوا بعض التقاة ، وهذا صريح في أن القائلين : لم تعظون ... إلخ ، ليسوا من الفرقة الهالكة ، وإلا لوجب الخطاب . [ ص: 286 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية