الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم منصوب بمضمر خوطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - بطريق التلوين، أي: واذكر وقت تزيين الشيطان أعمالهم في معاداة المؤمنين وغيرها بأن وسوس إليهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم أي: ألقى في روعهم، وخيل إليهم أنهم لا يغلبون، ولا يطاقون لكثرة عددهم وعددهم، وأوهمهم أن اتباعهم إياه - فيما يظنون أنها قربات - مجير لهم، حتى قالوا: اللهم انصر إحدى الفئتين، وأفضل الدينين، و(لكم) خبر (لا غالب) أو صفته، وليس صلته وإلا لانتصب، كقولك لا ضاربا زيدا عندنا.

                                                                                                                                                                                                                                      فلما تراءت الفئتان أي: تلاقى الفريقان نكص على عقبيه رجع القهقرى، أي: بطل كيده، وعاد ما خيل إليهم أنه مجيرهم سببا لهلاكهم وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله أي: تبرأ منهم، وخاف عليهم، ويئس من حالهم لما رأى إمداد الله تعالى للمسلمين بالملائكة، وقيل: لما اجتمعت قريش على المسير ذكرت ما بينهم وبين كنانة من الإحنة، فكاد ذلك يثنيهم، فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك الكناني، وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني مجيركم من كنانة، فلما رأى الملائكة تنزل نكص، وكان يده في يد الحرث بن هشام فقال له: إلى أين أتخذلنا في هذه الحالة؟ فقال: إني أرى ما لا ترون، ودفع في صدر الحرث وانطلق، فانهزموا، فلما بلغوا مكة ، قالوا: هزم الناس سراقة فبلغه ذلك، فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم، فلما أسلموا علموا أنه الشيطان، وعلى هذا يحتمل أن يكون معنى قوله "إني أخاف الله" أخافه أن يصيبني بمكروه من الملائكة، أو يهلكني، ويكون الوقت هو الوقت الموعود، إذ رأى فيه ما لم يره قبله، والأول ما قاله الحسن، واختاره ابن بحر والله شديد العقاب يجوز أن يكون من كلامه، أو مستأنفا من جهة الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية