الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين

                                                                                                                                                                                                                                      لو خرجوا فيكم بيان لسر كراهته تعالى لانبعاثهم، أي: لو خرجوا مخالطين لكم ما زادوكم أي: ما أورثوكم شيئا من الأشياء إلا خبالا أي: فسادا وشرا، فالاستثناء مفرغ متصل، وقيل: منقطع وليس بذلك ولأوضعوا خلالكم أي: ولسعوا فيما بينكم بالنمائم، والتضريب، وإفساد ذات البين، من وضع البعير وضعا إذا أسرع، وأوضعته أنا، أي: حملته على الإسراع، والمعنى: لأوضعوا ركائبهم بينكم، والمراد به: المبالغة في الإسراع بالنمائم؛ لأن الراكب أسرع من الماشي، وقرئ (ولأرقصوا) من رقصت الناقة: أسرعت، وأرقصتها أنا، وقرئ (ولأوفضوا) أي: أسرعوا.

                                                                                                                                                                                                                                      يبغونكم الفتنة يحاولون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف فيما بينكم، وإلقاء الرعب في قلوبكم، وإفساد نياتكم، والجملة حال من ضمير "أوضعوا"، أو استئناف.

                                                                                                                                                                                                                                      وفيكم سماعون لهم أي: نمامون يسمعون حديثكم لأجل نقله إليهم، أو فيكم قوم ضعفة يسمعون للمنافقين، أي: يطيعونهم، والجملة حال من مفعول يبغونكم، أو من فاعله لاشتمالها على ضميريهما، أو مستأنفة، ولعلهم لم يكونوا في كمية العدد وكيفية الفساد - بحيث يخل مكانهم فيما بين المؤمنين بأمر الجهاد إخلالا عظيما، ولم يكن فساد خروجهم معادلا لمنفعته، ولذلك لم تقتض الحكمة عدم خروجهم فخرجوا مع المؤمنين، ولكن حيث كان انضمام المنافقين القاعدين إليهم مستتبعا لخلل كلي كره الله انبعاثهم، فلم يتسن اجتماعهم، فاندفع فسادهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ووجه العتاب على الإذن في قعودهم - مع تقرره لا محالة، وتضمن خروجهم لهذه المفاسد - أنهم لو قعدوا بغير إذن منه - صلى الله عليه وسلم - لظهر نفاقهم فيما بين المسلمين من أول الأمر، ولم يقدروا على مخالطتهم والسعي فيما بينهم بالأراجيف، ولم يتسن لهم التمتع بالعيش إلى أن يظهر حالهم بقوارع الآيات النازلة.

                                                                                                                                                                                                                                      والله عليم بالظالمين علما محيطا بضمائرهم وظواهرهم، وما فعلوا فيما مضى وما يتأتى منهم فيما سيأتي، ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم والتشديد في الوعيد، والإشعار بترتبه على الظلم، ولعله شامل للفريقين السماعين والقاعدين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية