الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم

                                                                                                                                                                                                                                      إنما الصدقات شروع في تحقيق حقية ما صنعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من القسمة ببيان المصارف، ورد لمقالة القالة في ذلك، وحسم لأطماعهم الفارغة المبنية على زعمهم الفاسد، ببيان أنهم بمعزل من الاستحقاق، أي: جنس الصدقات المشتملة على الأنواع المختلفة للفقراء والمساكين أي: مخصوصة بهؤلاء الأصناف الثمانية الآتية لا تتجاوزهم إلى غيرهم، كأنه قيل: إنما هي لهم لا لغيرهم فما للذين لا علاقة بينها وبينهم يقولون فيها ما يقولون، وما سوغهم أن يتكلموا فيها وفي قاسمها، والفقير من له أدنى شيء، والمسكين من لا شيء له، هو المروي عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - وقد قيل على العكس، ولكل منهما وجه يدل عليه والعاملين عليها الساعين في جمعها وتحصيلها.

                                                                                                                                                                                                                                      والمؤلفة قلوبهم هم أصناف؛ فمنهم أشراف من العرب كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستألفهم ليسلموا فيرضخ لهم، ومنهم قوم أسلموا ونياتهم ضعيفة فيؤلف قلوبهم بإجزال العطاء كعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، والعباس بن مرداس، ومنهم من يترقب بإعطائهم إسلام نظرائهم، ولعل الصنف الأول كان يعطيهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من خمس الخمس الذي هو خالص ماله، وقد عد منهم من يؤلف قلبه بشيء منها على قتال الكفار ومانعي الزكاة، وقد سقط سهم هؤلاء بالإجماع لما أن ذلك كان لتكثير سواد الإسلام، فلما أعزه الله - عز وعلا - وأعلى كلمته استغني عن ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الرقاب أي: وللصرف في فك الرقاب، بأن يعان المكاتبون بشيء منها على أداء نجومهم، وقيل: بأن يفدى الأسارى، وقيل: بأن يبتاع منها الرقاب فتعتق، وأيا ما كان فالعدول عن اللام لعدم ذكرهم بعنوان مصحح للمالكية والاختصاص، كالذين من قبلهم، أو للإيذان بعدم قرار ملكهم فيما أعطوا كما في الوجهين الأولين، أو بعدم ثبوته رأسا كما في الوجه الأخير، أو للإشعار برسوخهم في استحقاق الصدقة؛ لما أن في للظرفية المنبئة عن إحاطتهم بها وكونهم محلها ومركزها.

                                                                                                                                                                                                                                      والغارمين أي: الذين تداينوا لأنفسهم في غير معصية، إذا لم يكن لهم نصاب فاضل عن ديونهم، وكذلك عند الشافعي رضي الله عنه: من غرم لإصلاح ذات البين وإطفاء الثائرة بين القبيلتين وإن كانوا أغنياء وفي سبيل الله أي: فقراء الغزاة والحجيج والمنقطع بهم وابن السبيل أي: المسافر المنقطع عن ماله، وتكرير الظرف في الأخيرين للإيذان بزيادة فضلهما في الاستحقاق، أو لما ذكر من إيرادهما بعنوان غير مصحح للمالكية والاختصاص.

                                                                                                                                                                                                                                      فهذه مصارف الصدقات، فللمتصدق أن يدفع صدقته إلى كل واحد منهم، وأن يقتصر على صنف منهم؛ لأن اللام لبيان أنهم مصارف لا تخرج عنهم لا لإثبات الاستحقاق، وقد روي ذلك عن عمر، وابن عباس ، وحذيفة - رضي الله عنهم - وعند الشافعي : لا يجوز إلا أن يصرف إلى ثلاثة من تلك الأصناف.

                                                                                                                                                                                                                                      فريضة من الله مصدر مؤكد [ ص: 77 ] لما دل عليه صدر الآية، أي: فرض لهم الصدقات فريضة، ونقل عن سيبويه أنه منصوب بفعله مقدرا، أي: فرض الله ذلك فريضة، أو حال من الضمير المستكن في قوله للفقراء، أي: إنما الصدقات كائنة لهم حال كونها فريضة، أي: مفروضة.

                                                                                                                                                                                                                                      والله عليم بأحوال الناس ومراتب استحقاقهم حكيم لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة من الأمور الحسنة التي من جملتها سوق الحقوق إلى مستحقيها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية