الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قال فإنك من المنظرين

                                                                                                                                                                                                                                      قال فإنك من المنظرين ورود الجواب بالجملة الاسمية مع التعرض لشمول ما سأله لآخرين على وجه يؤذن بكون السائل تبعا لهم في ذلك، دليل على أنه إخبار بالإنظار المقدر لهم، أزلا لا إنشاء. لإنظار خاص به وقع إجابة لدعائه، أي: إنك من جملة الذين أخرت آجالهم أزلا حسبما تقتضيه حكمة التكوين، فالفاء ليست لربط نفس الإنظار بالاستنظار، بل لربط الإخبار المذكور به، كما في قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      فإن ترحم فأنت لذاك أهل



                                                                                                                                                                                                                                      فإنه لا إمكان لجعل الفاء فيه لربط ما فيه تعالى من الأهلية القديمة للرحمة بوقوع الرحمة الحادثة، بل هي لربط الإخبار بتلك الأهلية للرحمة بوقوعها، وأن استنظاره كان طلبا لتأخير الموت، إذ به يتحقق كونه من جملتهم لا لتأخير العقوبة، كما قيل. ونظمه في ذلك في سلك من أخرت عقوبتهم إلى الآخرة في علم الله تعالى ممن سبق من الجن ولحق من الثقلين لا يلائم مقام الاستنظار مع الحياة، ولأن ذلك التأخير معلوم من إضافة اليوم إلى الدين مع إضافته في السؤال إلى البعث كما عرفته. وفي سورة الأعراف قال: أنظرني إلى يوم يبعثون قال: إنك من المنظرين بترك التوقيت، والنداء. والفاء في الاستنظار. والإنظار تعويلا على ما ذكر ههنا، وفي سورة ص فإن إيراد كلام واحد على أساليب متعددة غير عزيز في الكتاب العزيز، وأما أن كل أسلوب من أساليب النظم الكريم لا بد أن يكون له مقام يقتضيه مغاير لمقام غيره، وأن ما حكي من اللعين إنما صدر عنه مرة، وكذا جوابه لم يقع إلا دفعة فمقام المحاورة إن اقتضى أحد الأساليب المذكورة، فهو المطابق لمقتضى الحال، والبالغ إلى طبقة الإعجاز، وما عداه قاصر عن رتبة البلاغة فضلا عن الارتقاء إلى معالم الإعجاز، فقد مر تحقيقه بتوفيق الله تعالى في سورة الأعراف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية