الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إلى يوم الوقت المعلوم

                                                                                                                                                                                                                                      إلى يوم الوقت المعلوم وهو وقت النفخة الأولى التي علم أنه يصعق عندها من في السموات، ومن في الأرض إلا من شاء الله تعالى، ويجوز أن يكون المراد بالأيام واحدا، والاختلاف في العبارات لاختلاف الاعتبارات، فالتعبير بيوم البعث لأن غرض اللعين به يتحقق، وبيوم الدين لما ذكر من الجزاء وبيوم الوقت المعلوم لما ذكر، أو لاستئثاره تعالى بعلمه، فلعل كلا من هلاك الخلق جميعا، وبعثهم وجزائهم في يوم واحد يموت اللعين في أوله ويبعث في أوسطه، ويعاقب في بقيته. يروى أن بين موته وبعثه أربعين سنة من سني الدنيا مقدار ما بين النفختين، ونقل عن الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى أنه قال: قدمت المدينة أريد أمير المؤمنين - عمر رضي الله تعالى عنه- فإذا أنا بحلقة عظيمة، وكعب الأحبار فيها يحدث [ ص: 78 ] الناس وهو يقول: لما حضر آدم عليه الصلاة والسلام الوفاة قال: يا رب سيشمت بي عدوي إبليس إذا رآني ميتا، وهو منظر إلى يوم القيامة؟ فأجيب: أن يا آدم إنك سترد إلى الجنة، ويؤخر اللعين إلى النظرة ليذوق ألم الموت بعدد الأولين والآخرين. ثم قال لملك الموت: صف كيف تذيقه الموت؟ فلما وصفه قال: يا رب حسبي ، فضج الناس. وقالوا: يا أبا إسحاق كيف ذلك؟ فأبى، فألحوا. فقال: يقول الله سبحانه لملك الموت عقيب النفخة الأولى: قد جعلت فيك قوة أهل السموات السبع، وأهل الأرضين السبع، وإني ألبستك اليوم أثواب السخط والغضب كلها، فانزل بغضبي وسطوتي على رجيمي إبليس، فأذقه الموت، واحمل عليه فيه مرارة الأولين والأخرين من الثقلين أضعافا مضاعفة، وليكن معك من الزبانية سبعون ألفا قد امتلأوا غيظا وغضبا، وليكن مع كل منهم سلسلة من سلاسل جهنم، وغل من أغلالها، وانزع روحه المنتن بسبعين ألف كلاب من كلاليبها، وناد مالكا ليفتح أبواب النيران، فينزل ملك الموت بصورة لو نظر إليها أهل السموات والأرضين لماتوا بغتة من هولها، فينتهي إلى إبليس فيقول: قف لي يا خبيث لأذيقنك الموت، كم من عمر أدركت، وقرون أضللت، وهذا هو الوقت المعلوم. قال: فيهرب اللعين إلى المشرق فإذا هو بملك الموت بين عينيه، فيهرب إلى المغرب فإذا هو به بين عينيه، فيغوص البحار فتنز منه البحار فلا تقبله فلا يزال يهرب في الأرض، ولا محيص له، ولا ملاذ. ثم يقوم في وسط الدنيا عند قبر آدم ويتمرغ في التراب من المشرق إلى المغرب، ومن المغرب إلى المشرق، حتى إذا كان في الموضع الذي أهبط فيه آدم عليه الصلاة والسلام، وقد نصبت له الزبانية الكلاليب، وصارت الأرض كالجمرة احتوشته الزبانية، وطعنوه بالكلاليب، ويبقى في النزع والعذاب إلى حيث يشاء الله تعالى. ويقال لآدم وحواء : اطلعا اليوم إلى عدوكما كيف يذوق الموت؟ فيطلعان فينظران إلى ما هو فيه من شدة العذاب، فيقولان: ربنا أتممت علينا نعمتك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية