الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين يحبون أي : يريدون ويقصدون أن تشيع الفاحشة أي : تنتشر الخصلة المفرطة في القبح ، وهي الفرية والرمي بالزنا أو نفس الزنا ، فالمراد : بشيوعها شيوع خبرها ، أي : يحبون شيوعها ويتصدون مع ذلك لإشاعتها ، وإنما لم يصرح به اكتفاء بذكر المحبة فإنها مستتبعة له لا محالة . في الذين آمنوا متعلق بـ "تشيع" أي : تشيع فيما بين الناس ، وذكر المؤمنين لأنهم العمدة فيهم ، أو بمضمر هو حال من الفاحشة ، فالموصول عبارة عن المؤمنين خاصة ، أي : يحبون أن تشيع الفاحشة كائنة في حق المؤمنين وفي شأنهم .

                                                                                                                                                                                                                                      لهم بسبب ما ذكر عذاب أليم في الدنيا من الحد وغيره مما يتفق من البلايا الدنيوية ، ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ، وحسانا ، ومسطحا حد القذف ، وضرب صفوان حسانا ضربة بالسيف وكف بصره . [ ص: 164 ] والآخرة من عذاب النار وغير ذلك مما يعلمه الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      والله يعلم جميع الأمور التي من جملتها ما في الضمائر من المحبة المذكورة وأنتم لا تعلمون ما يعلمه تعالى ، بل إنما تعلمون ما ظهر لكم من الأقوال والأفعال المحسوسة فابنوا أموركم على ما تعملونه ، وعاقبوا في الدنيا على ما تشاهدونه من الأحوال الظاهرة ، والله سبحانه هو المتولي للسرائر فيعاقب في الآخرة على ما تكنه الصدور هذا إذا جعل العذاب الأليم في الدنيا عبارة عن حد القذف أو متنظما له كما أطبق عليه الجمهور ، أما إذا بقي على إطلاقه يراد بالمحبة نفسها من غير أن يقارنها التصدي للإشاعة وهو الأنسب بسياق النظم الكريم ، فيكون ترتيب العذاب عليها تنبيها على أن عذاب من يباشر الإشاعة ويتولاها أشد وأعظم ، ويكون الاعتراض التذييلي - أعني قوله تعالى : "والله يعلم وأنتم لا تعلمون" - تقريرا لثبوت العذاب الأليم لهم وتعليلا له .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية