الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن أي: مهورهن. فإنها أجور الأبضاع، وإيتاؤها إما إعطاؤها معجلة، أو تسميتها في العقد، وأيا ما كان فتقييد الإحلال له صلى الله عليه وسلم به ليس لتوقف الحل عليه ضرورة أنه يصح العقد بلا تسمية، ويجب مهر المثل، أو المتعة على تقديري الدخول وعدمه، بل لإيثار الأفضل والأولى له صلى الله عليه وسلم كتقييد إحلال المملوكة بكونها مسبية في قوله تعالى: وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها، وما جرى عليها، وكتقييد القرائب بكونهن مهاجرات معه في قوله تعالى: وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك ويحتمل تقييد الحل بذلك في حقه صلى الله عليه وسلم خاصة، ويعضده قول أم هانئ بنت أبي طالب: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني، ثم أنزل الله هذه الآية، فلم أحل له لأني لم أهاجر معه؛ كنت من الطلقاء. وامرأة مؤمنة بالنصب عطفا على مفعول أحللنا؛ إذ ليس معناه إنشاء الإحلال الناجز بل إعلام مطلق الإحلال المنتظم لما سبق ولحق، وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف، أي: أحللناها لك أيضا. إن وهبت نفسها للنبي أي: ملكته بضعها بأي عبارة كانت بلا مهر إن اتفق ذلك، كما ينبئ عنه تنكيرها. لكن لا مطلقا بل عند إرادته صلى الله عليه وسلم استنكاحها كما نطق به قوله عز وجل: إن أراد النبي أن يستنكحها أي: أن يتملك بضعها كذلك، أي: بلا مهر فإن ذلك جار منه صلى الله عليه وسلم مجرى القبول، وحيث لم يكن هذا نصا في كون تمليكها بلفظ الهبة لم يصلح أن يكون مناطا للخلاف في انعقاد النكاح بلفظ الهبة إيجابا أو سلبا، واختلف في اتفاق هذا العقد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم أحد منهن بالهبة. وقيل: الموهوبات أربع: ميمونة بنت الحرث، وزينب بنت خزيمة الأنصارية، وأم شريك بنت جابر، وخولة بنت حكيم. وإيراده صلى الله عليه وسلم في الموضعين [ ص: 110 ] بعنوان النبوة بطريق الالتفات للتكرمة، والإيذان بأنها المناط لثبوت الحكم، فيختص به صلى الله عليه وسلم حسب اختصاصها به كما ينطق به قوله تعالى: خالصة لك أي: خلص لك إحلالها خالصة، أي: خلوصا. فإن الفاعلة في المصادر غير عزيز كالعافية والكاذبة، أو خلص لك إحلال ما أحللنا لك من المذكورات على القيود المذكورة خالصة، ومعنى قوله تعالى: من دون المؤمنين على الأول: أن الإحلال المذكور في المادة المعهودة غير متحقق في حقهم، وإنما المتحقق هناك الإحلال بمهر المثل. وعلى الثاني: أن إحلال الجميع على القيود المذكورة غير متحقق في حقهم، بل المتحقق فيه إحلال البعض المعدود على الوجه المعهود، وقرئ: (خالصة) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: ذلك خلوص لك وخصوص. أو هي، أي: تلك المرأة، أو الهبة خالصة لك. لا تتجاوز المؤمنين حيث لا تحل لهم بغير مهر، ولا تصح الهبة بل يجب مهر المثل، وقوله تعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم أي: على المؤمنين. في أزواجهم أي: في حقهن. اعتراض مقرر لما قبله من خلوص الإحلال المذكور لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم تجاوزه للمؤمنين ببيان أنه قد فرض عليهم من شرائط العقد وحقوقه، ما لم يفرض عليه صلى الله عليه وسلم تكرمة له، وتوسعة عليه، أي: قد علمنا ما ينبغي أن يفرض عليهم في حق أزواجهم. وما ملكت أيمانهم وعلى أي حد، وأي صفة يحق أن يفرض عليهم ففرضنا ما فرضنا على ذلك الوجه، وخصصناك ببعض الخصائص. لكيلا يكون عليك حرج أي: ضيق. و "اللام" متعلقة ب «خالصة» باعتبار ما فيها من معنى ثبوت الإحلال وحصوله له صلى الله عليه وسلم لا باعتبار اختصاصه به صلى الله عليه وسلم; لأن مدار انتفاء الحرج هو الأول لا الثاني الذي هو عبارة عن عدم ثبوته لغيره. وكان الله غفورا لما يعسر التحرز عنه. رحيما ولذلك وسع الأمر في مواقع الحرج.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية