الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا

                                                                                                                                                                                                                                        (32) هذا من جملة مقترحات الكفار الذي توحيه إليهم أنفسهم فقالوا: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة أي: كما أنزلت الكتب قبله، وأي محذور من نزوله على هذا الوجه؟! بل نزوله على هذا الوجه أكمل وأحسن، ولهذا قال: كذلك أنزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينة وثباتا، وخصوصا عند ورود أسباب القلق، فإن نزول القرآن عند حدوثه يكون له موقع عظيم وتثبيت كثير أبلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك ثم تذكره [ ص: 1198 ] عند حلول سببه، ورتلناه ترتيلا أي: مهلناه ودرجناك فيه تدريجا. وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن وبرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث جعل إنزال كتابه جاريا على أحوال الرسول ومصالحه الدينية.

                                                                                                                                                                                                                                        (33) ولهذا قال: ولا يأتونك بمثل يعارضون به الحق ويدفعون به رسالتك، إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا أي: أنزلنا عليك قرآنا جامعا للحق في معانيه، والوضوح والبيان التام في ألفاظه، فمعانيه كلها حق وصدق لا يشوبها باطل ولا شبهة بوجه من الوجوه، وألفاظه وحدوده للأشياء أوضح ألفاظا وأحسن تفسيرا، مبين للمعاني بيانا كاملا.

                                                                                                                                                                                                                                        وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي للمتكلم في العلم من محدث ومعلم وواعظ أن يقتدي بربه في تدبيره حال رسوله، كذلك العالم يدبر أمر الخلق، فكلما حدث موجب أو حصل موسم أتى بما يناسب ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمواعظ الموافقة لذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        وفيه رد على المتكلفين من الجهمية ونحوهم ممن يرى أن كثيرا من نصوص القرآن محمولة على غير ظاهرها ولها معان غير ما يفهم منها، فإذا - على قولهم- لا يكون القرآن أحسن تفسيرا من غيره، وإنما التفسير الأحسن -على زعمهم - تفسيرهم الذي حرفوا له المعاني تحريفا.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية