الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        (176 - 180 أصحاب الأيكة أي: البساتين الملتفة الأشجار، وهم أصحاب مدين، فكذبوا نبيهم شعيبا، الذي جاء بما جاء به المرسلون. إذ قال لهم شعيب ألا تتقون الله تعالى، فتتركون ما يسخطه ويغضبه من الكفر والمعاصي، إني لكم رسول أمين يترتب على ذلك أن تتقوا الله وتطيعون.

                                                                                                                                                                                                                                        (181 - 184) وكانوا - مع شركهم - يبخسون المكاييل والموازين، فلذلك قال لهم: أوفوا الكيل أي: أتموه وأكملوه ولا تكونوا من المخسرين الذين ينقصون الناس أموالهم ويسلبونها ببخس المكيال والميزان، وزنوا بالقسطاس المستقيم أي: بالميزان العادل، الذي لا يميل، واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين أي: الخليقة الأولين، فكما انفرد بخلقكم وخلق من قبلكم من غير مشارك له في ذلك فأفردوه بالعبادة والتوحيد، وكما أنعم عليكم بالإيجاد والإمداد بالنعم فقابلوه بشكره.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1232 ] (185 - 187) قالوا له، مكذبين له، رادين لقوله: إنما أنت من المسحرين فأنت تهذي وتتكلم كلام المسحور، الذي غايته أن لا يؤاخذ به، وما أنت إلا بشر مثلنا فليس فيك فضيلة، اختصصت بها علينا، حتى تدعونا إلى اتباعك، وهذا مثل قول من قبلهم ومن بعدهم، ممن عارضوا الرسل بهذه الشبهة، التي لم يزالوا يدلون بها ويصولون، ويتفقون عليها؛ لاتفاقهم على الكفر، وتشابه قلوبهم، وقد أجابت عنها الرسل بقولهم: إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ، وإن نظنك لمن الكاذبين وهذا جراءة منهم وظلم وقول زور، قد انطووا على خلافه، فإنه ما من رسول من الرسل، واجه قومه ودعاهم، وجادلهم وجادلوه، إلا وقد أظهر الله على يديه من الآيات ما به يتيقنون صدقه وأمانته، خصوصا شعيبا - عليه السلام - الذي يسمى خطيب الأنبياء؛ لحسن مراجعته قومه، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، فإن قومه قد تيقنوا صدقه، وأن ما جاء به حق، ولكن إخبارهم عن ظن كذبه كذب منهم. فأسقط علينا كسفا من السماء أي: قطع عذاب تستأصلنا، إن كنت من الصادقين كقول إخوانهم: وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم أو أنهم طلبوا بعض آيات الاقتراح، التي لا يلزم تتميم مطلوب من سألها.

                                                                                                                                                                                                                                        (188) قال شعيب - عليه السلام -: ربي أعلم بما تعملون أي: نزول العذاب، ووقوع آيات الاقتراح، لست أنا الذي آتي بها وأنزلها بكم، وليس علي إلا تبليغكم ونصحكم وقد فعلت، وإنما الذي يأتي بها ربي، العالم بأعمالكم وأحوالكم، الذي يجازيكم ويحاسبكم.

                                                                                                                                                                                                                                        (189 - 191 فكذبوه أي: صار التكذيب لهم وصفا والكفر لهم ديدنا، بحيث لا تفيدهم الآيات، وليس بهم حيلة إلا نزول العذاب، فأخذهم عذاب يوم الظلة أظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها مستلذين لظلها غير الظليل، فأحرقتهم بالعذاب، فظلوا تحتها خامدين، ولديارهم مفارقين، ولدار الشقاء والعذاب نازلين، إنه كان عذاب يوم عظيم لا كرة لهم إلى الدنيا، فيستأنفوا العمل، ولا يفتر عنهم العذاب ساعة، ولا هم ينظرون، إن في ذلك لآية دالة على صدق شعيب، وصحة ما دعا إليه، وبطلان رد قومه عليه، وما كان أكثرهم مؤمنين مع رؤيتهم الآيات؛ لأنهم لا زكاء فيهم، ولا خير لديهم وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ، وإن ربك لهو العزيز الذي امتنع بقدرته عن إدراك أحد، وقهر كل مخلوق. [ ص: 1233 ] الرحيم الذي الرحمة وصفه، ومن آثارها جميع الخيرات في الدنيا والآخرة، من حين أوجد الله العالم إلى ما لا نهاية له، ومن عزته أن أهلك أعداءه حين كذبوا رسله، ومن رحمته أن نجى أولياءه ومن اتبعهم من المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية