الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما

                                                                                                                                                                                                                                        يقول تعالى ممتنا على عباده بالعافية، من شر الكفار ومن قتالهم، فقال: وهو الذي كف أيديهم أي: أهل مكة عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم أي: من بعد ما قدرتم عليهم، وصاروا تحت ولايتكم بلا عقد ولا عهد، وهم نحو ثمانين رجلا انحدروا على المسلمين ليصيبوا منهم غرة، فوجدوا المسلمين منتبهين فأمسكوهم، فتركوهم ولم يقتلوهم، رحمة من الله بالمؤمنين إذ لم يقتلوهم، وكان الله بما تعملون بصيرا فيجازي كل عامل بعمله، ويدبركم أيها المؤمنون بتدبيره الحسن.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر تعالى الأمور المهيجة على قتال المشركين، وهي كفرهم بالله ورسوله، وصدهم رسول الله ومن معه من المؤمنين، أن يأتوا للبيت الحرام زائرين معظمين له بالحج والعمرة، وهم الذين أيضا صدوا " الهدي معكوفا " أي: محبوسا أن يبلغ محله وهو محل ذبحه وهو مكة، فمنعوه من الوصول إليه ظلما وعدوانا، وكل هذه أمور موجبة وداعية إلى قتالهم، ولكن ثم مانع وهو: وجود رجال ونساء من أهل الإيمان بين أظهر المشركين، وليسوا متميزين بمحلة أو مكان يمكن أن لا ينالهم أذى، فلولا هؤلاء الرجال المؤمنون، والنساء المؤمنات، الذين لا يعلمهم المسلمون أن تطأوهم، أي: خشية أن تطأوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم والمعرة: ما يدخل تحت قتالهم، من نيلهم بالأذى والمكروه، وفائدة أخروية، وهو: أنه ليدخل [ ص: 1675 ] في رحمته من يشاء فيمن عليهم بالإيمان بعد الكفر، وبالهدى بعد الضلال، فيمنعكم من قتالهم لهذا السبب.

                                                                                                                                                                                                                                        لو تزيلوا أي: لو زالوا من بين أظهرهم لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما بأن نبيح لكم قتالهم، ونأذن فيه، وننصركم عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية