الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين [ ص: 223 ]

                                                                                                                                                                                                                                        (59 - 62) لما ذكر قصة مريم وعيسى ونبأهما الحق، وأنه عبد أنعم الله عليه، وأن من زعم أن فيه شيئا من الإلهية، فقد كذب على الله، وكذب جميع أنبيائه، وكذب عيسى -صلى الله عليه وسلم-، فإن الشبهة التي عرضت لمن اتخذه إلها شبهة باطلة، فلو كان لها وجه صحيح، لكان آدم أحق منه، فإنه خلق من دون أم ولا أب، ومع ذلك فاتفق البشر كلهم على أنه عبد من عباد الله، فدعوى إلهية عيسى، بكونه خلق من أم بلا أب، دعوى من أبطل الدعاوى.

                                                                                                                                                                                                                                        وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه، أن عيسى- كما قال عن نفسه: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكان قد قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وفد نصارى نجران، وقد تصلبوا على باطلهم، بعدما أقام عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- البراهين بأن عيسى عبد الله ورسوله، حيث زعموا إلهيته، فوصلت به وبهم الحال إلى أن أمره الله تعالى أن يباهلهم، فإنه قد اتضح لهم الحق، ولكن العناد والتعصب منعاهم منه.

                                                                                                                                                                                                                                        فدعاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المباهلة، بأن يحضر هو وأهله وأبناؤه، وهم يحضرون بأهلهم وأبنائهم، ثم يدعون الله تعالى أن ينزل عقوبته ولعنته على الكاذبين، فتشاوروا هل يجيبونه إلى ذلك؟ فاتفق رأيهم أن لا يجيبوه، لأنهم عرفوا أنه نبي الله حقا وأنهم- إن باهلوه- هلكوا، هم وأولادهم وأهلوهم، فصالحوه وبذلوا له الجزية، وطلبوا منه الموادعة والمهادنة، فأجابهم -صلى الله عليه وسلم- ولم يحرجهم، لأنه حصل المقصود من وضوح الحق، وتبين عنادهم حيث صمموا على الامتناع عن المباهلة، وذلك يبرهن على أنهم كانوا ظالمين.

                                                                                                                                                                                                                                        ولهذا قال تعالى: إن هذا لهو القصص الحق أي: لا ريب فيه، وإن الله لهو العزيز الذي قهر بقدرته وقوته جميع الموجودات، وأذعنت له سكان الأرض والسماوات، ومع ذلك فهو الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها . [ ص: 224 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية