الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون

                                                                                                                                                                                                                                        (50-52) أي: ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة، حين يبلغ منهم العذاب كل مبلغ، وحين يمسهم الجوع المفرط والظمأ الموجع، يستغيثون بهم، فيقولون: أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله من الطعام، فأجابهم أهل الجنة بقولهم: إن الله حرمهما أي: ماء الجنة وطعامها على الكافرين وذلك جزاء لهم على كفرهم بآيات الله، واتخاذهم دينهم الذي أمروا أن يستقيموا عليه، ووعدوا بالجزاء الجزيل عليه.

                                                                                                                                                                                                                                        لهوا ولعبا أي: لهت قلوبهم وأعرضت عنه، ولعبوا واتخذوه سخريا، أو أنهم جعلوا بدل دينهم اللهو واللعب، واستعاضوا بذلك عن الدين القيم.

                                                                                                                                                                                                                                        وغرتهم الحياة الدنيا بزينتها وزخرفها وكثرة دعاتها، فاطمأنوا إليها ورضوا بها وفرحوا، وأعرضوا عن الآخرة ونسوها.

                                                                                                                                                                                                                                        فاليوم ننساهم أي: [ ص: 550 ] نتركهم في العذاب كما نسوا لقاء يومهم هذا فكأنهم لم يخلقوا إلا للدنيا، وليس أمامهم عرض ولا جزاء.

                                                                                                                                                                                                                                        وما كانوا بآياتنا يجحدون والحال أن جحودهم هذا، لا عن قصور في آيات الله وبيناته.

                                                                                                                                                                                                                                        بل قد جئناهم بكتاب فصلناه أي: بينا فيه جميع المطالب التي يحتاج إليها الخلق على علم من الله بأحوال العباد في كل زمان ومكان، وما يصلح لهم وما لا يصلح، ليس تفصيله تفصيل غير عالم بالأمور، فتجهله بعض الأحوال، فيحكم حكما غير مناسب، بل تفصيل من أحاط علمه بكل شيء، ووسعت رحمته كل شيء.

                                                                                                                                                                                                                                        هدى ورحمة لقوم يؤمنون أي: تحصل للمؤمنين بهذا الكتاب الهداية من الضلال، وبيان الحق والباطل، والغي والرشد، ويحصل أيضا لهم به الرحمة، وهي: الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، فينتفي عنهم بذلك الضلال والشقاء.

                                                                                                                                                                                                                                        (53) وهؤلاء الذين حق عليهم العذاب، لم يؤمنوا بهذا الكتاب العظيم، ولا انقادوا لأوامره ونواهيه، فلم يبق فيهم حيلة إلا استحقاقهم أن يحل بهم ما أخبر به القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                        ولهذا قال: هل ينظرون إلا تأويله أي: وقوع ما أخبر به كما قال يوسف عليه السلام حين وقعت رؤياه: هذا تأويل رؤياي من قبل .

                                                                                                                                                                                                                                        يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل متندمين متأسفين على ما مضى منهم، متشفعين في مغفرة ذنوبهم. مقرين بما أخبرت به الرسل: قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد إلى الدنيا فنعمل غير الذي كنا نعمل وقد فات الوقت عن الرجوع إلى الدنيا. فما تنفعهم شفاعة الشافعين .

                                                                                                                                                                                                                                        وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا، ليعملوا غير عملهم كذب منهم، مقصودهم به، دفع ما حل بهم، قال تعالى: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون .

                                                                                                                                                                                                                                        قد خسروا أنفسهم حين فوتوها الأرباح، وسلكوا بها سبيل الهلاك، وليس ذلك كخسران الأموال والأثاث أو الأولاد، إنما هذا خسران لا جبران لمصابه، وضل عنهم ما كانوا يفترون في الدنيا مما تمنيهم أنفسهم به، ويعدهم به الشيطان، قدموا على ما لم يكن لهم في حساب، وتبين لهم باطلهم وضلالهم، وصدق ما جاءتهم به الرسل.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية