الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون

                                                                                                                                                                                                                                        (34) أي: ولكل أمة من الأمم السالفة جعلنا منسكا ، أي: فاستبقوا إلى الخيرات وتسارعوا إليها، ولننظر أيكم أحسن عملا، والحكمة في جعل الله لكل أمة منسكا؛ لإقامة ذكره والالتفات لشكره، ولهذا قال: ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد وإن اختلفت أجناس الشرائع، فكلها متفقة على هذا الأصل، وهو ألوهية الله، وإفراده بالعبودية، وترك الشرك به ، ولهذا قال: فله أسلموا ؛ أي: انقادوا واستسلموا له لا لغيره، فإن الإسلام له طريق إلى الوصول إلى دار السلام. وبشر المخبتين بخير الدنيا والآخرة، والمخبت: الخاضع لربه، المستسلم لأمره، المتواضع لعباده. (35) ثم ذكر صفات المخبتين فقال: الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ؛ أي: خوفا وتعظيما، فتركوا لذلك المحرمات؛ لخوفهم ووجلهم من الله وحده، والصابرين على ما أصابهم من البأساء والضراء وأنواع الأذى، فلا يجري منهم التسخط لشيء من ذلك، بل صبروا ابتغاء وجه ربهم، محتسبين ثوابه، مرتقبين أجره، والمقيمي الصلاة ؛ أي: الذين جعلوها قائمة مستقيمة كاملة، بأن أدوا اللازم فيها والمستحب وعبوديتها الظاهرة والباطنة، ومما رزقناهم ينفقون وهذا يشمل جميع النفقات الواجبة: كالزكاة والكفارة والنفقة على الزوجات والمماليك والأقارب، والنفقات المستحبة: كالصدقات بجميع وجوهها. [ ص: 1101 ] وأتى بـ " من " المفيدة للتبعيض؛ ليعلم سهولة ما أمر الله به ورغب فيه، وأنه جزء يسير مما رزق الله، ليس للعبد في تحصيله قدرة، لولا تيسير الله له ورزقه إياه؛ فيا أيها المرزوق من فضل الله أنفق مما رزقك الله ينفق الله عليك ويزدك من فضله.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية