الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          فصل والمرأة إحرامها في وجهها لحديث { ولا تتنقب المرأة ولا تلبس القفازين } رواه البخاري وغيره ( فتسدل ) أي تضع الثوب فوق رأسها وترخيه على وجهها ( لحاجة ) إلى ستر وجهها كمرور أجانب قريبا منها لحديث عائشة { كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه } رواه أبو داود والأثرم قال أحمد : إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل .

                                                                          قال الموفق : كان الإمام يقصد أن النقاب من أسفل وجهها ولا يضر مس المسدول بشرة وجهها ، خلافا للقاضي وإنما منعت من البرقع والنقاب لأنه معد لستر الوجه ومتى غطته لغير حاجة فدت

                                                                          ( وتحرم تغطيته ) أي وجه المحرمة ويجب تغطية رأسها ( ولا يمكنها تغطية جميع رأسها إلا ب ) تغطية ( جزء منه ) أي الوجه ( ولا ) يمكنها ( كشف جميعه ) أي الوجه ( إلا ب ) كشف ( جزء من الرأس ، فستر الرأس كله أولى ، لكونه ) أي الرأس ( عورة ) في الجملة ( ولا يختص ستره بإحرام ) وكشف الوجه بخلافه

                                                                          ( ويحرم عليها ) أي المحرمة ( ما يحرم على رجل ) محرم ، من إزالة شعر وظفر وطيب وقتل صيد وغيره مما تقدم لأن الخطاب يشمل الذكور والإناث ( غير لباس و ) غير ( تظليل محمل ) لحاجتها إليه لأنها عورة إلا وجهها ( ويباح لها ) أي المحرمة ( خلخال ونحوه من حلي ) كسوار ودملج وقرط لحديث ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم { نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب ، وما مس الورس والزعفران من الثياب وليلبسن بعد ذلك ما أحببن من ألوان الثياب من مزعفر أو حلي } ( ويسن لها ) أي المرأة ( الخضاب ) بحناء ( عند الإحرام ) لحديث ابن عمر { من السنة أن تدلك المرأة يديها في حناء } ولأنه من الزينة فاستحب لها كالطيب ( وكره ) خضاب ( بعده ) أي الإحرام ما دامت محرمة لأنه من الزينة أشبه الكحل بالإثمد وتستحب في غير [ ص: 552 ] إحرام لمزوجة

                                                                          قال في الرعاية : وغيرها : ويكره لأيم قال الموفق والشارح وجماعة : ولا بأس به لرجل فيما لا تشبه فيه بالنساء ( وإذا شدت يديها بخرقة فدت ) لسترها لهما بما يختص بهما أشبه القفازين ، وكشد الرجل شيئا على جسده فإن لفتهما من غير شد فلا فدية ، لأن المحرم الشد لا التغطية كبدن الرجل ( ويحرم عليهما ) أي الرجل والمرأة ( لبس قفازين ) للخبر فيها وهو أولى ( وهما ) أي القفازان ( شيء يعمل لليدين ) يدخلان فيه ليسترهما ( كما يعمل للبزاة ويفديان ) أي الرجل والمرأة ( بلبسهما ) أي القفازين كباقي المحظورات

                                                                          ( وكره لهما ) أي الرجل والمرأة ( اكتحال بإثمد ونحوه ) من كل كحل أسود ( لزينة ) لما روي عن عائشة أنها قالت لامرأة محرمة " اكتحلي بأي كحل شئت غير الإثمد أو الأسود " و ( لا ) يكره اكتحالهما بذلك ( لغيرها ) أي الزينة ، كوجع عين لحاجة ( ولهما ) أي لرجل وامرأة محرمين ( لبس معصفر ) أي مصبوغ بعصفر لأنه ليس بطيب ولا بأس باستعماله وشمه .

                                                                          ( و ) لهما لبس ( كحلي ) وكل مصبوغ بغير ورس أو زعفران لأن الأصل الإباحة ، إلا ما ورد الشرع بتحريمه ، أو كان في معناه .

                                                                          ( و ) لهما ( قطع رائحة كريهة بغير طيب ) لما تقدم ، بل هذا مطلوب ( و ) لهما ( اتجار وعمل صنعة ما لم يشغلا ) أي الاتجار وعمل الصنعة ( عن واجب أو مستحب ) لقول ابن عباس " كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية ، فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } في مواسم الحج " رواه البخاري

                                                                          ( و ) لهما ( نظر في مرآة لحاجة كإزالة شعر بعين ) دفعا لضرره ( وكره ) نظرهما في مرآة ( لزينة ) ولا يصلح المحرم شعثا ولا ينفض عنه غبارا لحديث أبي هريرة وعبد الله بن عمر مرفوعا { إن الله تعالى يباهي الملائكة بأهل عرفة انظروا إلى عبادي ، أتوني شعثا غبرا } رواه أحمد

                                                                          ( وله ) أي الرجل المحرم ( لبس خاتم ) مباح من فضة أو عقيق ونحوه لما روى الدارقطني عن ابن عباس " لا بأس بالهميان والخاتم للمحرم " .

                                                                          وفي رواية " رخص للمحرم الهميان والخاتم " وله أيضا ختان ، وربط جرح ، وقطع عضو عند حاجة وحجامة ( ويجتنبان ) أي المحرم والمحرمة وجوبا ( الرفث ) أي الجماع كما تقدم ( والفسوق ) أي السباب وقيل : المعاصي ( والجدال ) وهو المراء روي عن ابن عمر : قال ابن عباس : " هو أن تماري صاحبك حتى [ ص: 553 ] تغضبه " ( ويسن قلة كلامهما ) أي المحرم والمحرمة ( إلا فيما ينفع ) لحديث أبي هريرة مرفوعا { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت } متفق عليه .

                                                                          وعنه مرفوعا { من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه } حديث حسن رواه الترمذي وغيره

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية