الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          فصل في المواضع التي لا تصح الصلاة فيها مطلقا وما يصح فيه النفل دون الفرض ، وما يتعلق بذلك ( ولا تصح تعبدا صلاة ) فرض أو نفل ( في مقبرة ) قديمة أو حديثة تقلبت أو لا ، وهي مدفن الموتى . لقوله صلى الله عليه وسلم [ ص: 164 ] { لا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك } رواه مسلم من حديث سمرة بن جندب ( ولا يضر ) صحة الصلاة ( قبران ولا ما دفن بداره ) ولو زاد على ثلاثة قبور ; لأنه لا يسمى مقبرة ، بل هي ثلاثة قبور فأكثر ، نقله في الاختبارات عن طائفة من الأصحاب ،

                                                                          وبني لفظها من القبر لأن الشيء إذا كثر بمكان جاز أن يبنى له اسم من اسمه كمسبعة ومضبعة لما كثر فيه من السباع والضباع ، وأما الخشخاشة وتسمى الفسقية فيها أموات كثيرون ، فهي قبر واحد ، قاله في الفروع بحثا .

                                                                          ( و ) لا تصح أيضا تعبدا صلاة ( في حمام ) لقوله صلى الله عليه وسلم { الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة } رواه أبو داود ( و ) لا تصح أيضا ( فيما يتبعه في بيع ) لتناول اسمه له .

                                                                          فلا فرق بين مكان الغسل والمسلخ والأتون وكل ما يغلق عليه بابه ( و ) لا تصح أيضا تعبدا صلاة في ( حش ) بفتح الحاء وضمها فيمنع من الصلاة داخل بابه ، ولو غير موضع الكنيف ، ولو مع طهارته من النجاسة لأنه لما منع الشرع من الكلام وذكر الله تعالى فيه ، كان منع الصلاة أولى ، وهو لغة البستان ، ثم أطلق على محل قضاء الحاجة : لأن العرب كانوا يقضون حوائجهم في البستان ، وهي الحشوش : فسميت الأخلية في الحضر حشوشا بذلك .

                                                                          ( و ) لا تصح أيضا تعبدا صلاة في ( أعطان إبل ) جمع عطن بفتح الطاء وهي المعاطن جمع معطن بكسرها لحديث { صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في مبارك الإبل } رواه أحمد وأبو داود .

                                                                          وقال ابن خزيمة : لم نر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح " وهي " أي الأعطان ( ما تقيم فيها ) الإبل ( وتأوي إليها ) طاهرة كانت أو نجسة ، فيها إبل حال الصلاة أو لا لعموم الخبر . وأما ما تبيت فيه الإبل في مسيرها أو تناخ فيه لعلفها أو سقيها ، فلا يمنع من الصلاة فيه ; لأنه ليس بعطن .

                                                                          ( و ) لا تصح صلاة أيضا ( في مجزرة ) مكان الذبح ( و ) لا في ( مزبلة ) ملقى الزبالة .

                                                                          ( و ) لا في ( قارعة الطريق ) أي محل قرع الأقدام من الطريق .

                                                                          وهي المحجة ، سواء كان فيها سالك أو لا . لحديث ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { سبع مواطن لا تجوز فيها الصلاة : ظهر بيت الله ، والمقبرة ، والمزبلة ، والمجزرة ، والحمام ، ومعطن الإبل ، ومحجة الطريق } رواه ابن ماجه والترمذي وقال : ليس إسناده بالقوي . ورواه [ ص: 165 ] الليث بن سعد عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا .

                                                                          وتصح في طريق أبيات قليلة ( و ) لا تصح صلاة تعبدا أيضا على ( أسطحتها ) أي أسطحة تلك المواضع التي لا تصح الصلاة فيها ; لأن الهواء تابع للقرار لمنع الجنب من اللبث بسطح المسجد ، وحنث من حلف لا يدخل دارا بدخول سطحها ( و ) لا تصح الصلاة أيضا قصدا في ( سطح نهر ) وكذا ساباط وجسرها عليه .

                                                                          قال السامري : لأن الماء لا يصلى عليه قاله ابن عقيل

                                                                          وقال غيره : هو كالطريق قاله أبو المعالي وجزم ابن تميم بالصحة ، وعلم مما تقدم : صحة الصلاة في المدبغة ( سوى صلاة جنازة في مقبرة ) فتصح لصلاته صلى الله عليه وسلم على القبر فيكون مخصصا للنهي السابق ( وسوى جمعة وعيد وجنازة ونحوها ) كصلاة كسوف واستسقاء ( بطريق الضرورة ) بأن ضاق المسجد أو المصلى واضطروا للصلاة في الطريق للحاجة

                                                                          ( و ) سوى جمعة وعيد وجنازة ونحوها بموضع ( غصب ) أي مغصوب . نص عليه في الجمعة ; لأنه إذا صلاها الإمام في الغصب وامتنع الناس من الصلاة معه فاتتهم ، ولذلك صحت الجمعة خلف الخوارج والمبتدعة في الطريق لدعاء الحاجة إليها . وكذلك الأعياد والجنازة ( و ) سوى الصلاة ( على راحلة بطريق ) على التفصيل الآتي في الباب بعده موضحا ( وتصح ) الصلاة ( في الكل ) أي كل الأماكن المتقدمة ( لعذر ) كما لو حبس فيها ، بخلاف خوف فوت الوقت في ظاهر كلامهم ( وتكره ) الصلاة ( إليها ) لحديث أبي مرثد الغنوي مرفوعا { لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا إليها } رواه الشيخان

                                                                          وألحق بذلك باقي المواضع ، واعترض بأنه تعبدي . فلا يقاس عليه ( بلا حائل ) فإن كان حائل لم تكره الصلاة ( ولو ) كان ( كمؤخرة رحل ) كسترة المتخلي ، فلا يكفي الخط ، ويكفي حائط المسجد . قال في الفروع : ويتوجه أن مرادهم : لا يضر بعد كثير عرفا لا أثر له في مار بين يدي المصلي .

                                                                          و ( لا ) تكره الصلاة ( فيما علا عن جادة المسافر يمنة ويسرة ) نصا ; لأنه ليس بمحجة ( ولو غيرت ) بالبناء للمجهول ، مواضع النهي ( بما يزيل اسمها ) كجعل حمام دارا ( أو مسجدا وصلى فيه صحت ) لزوال المانع . وكذا لو نبشت قبور غير محترمة وحول ما فيها من الموتى ، وجعلت مسجدا لقصة مسجده صلى الله عليه وسلم " ( وكمقبرة ) في الصلاة [ ص: 166 ] فيها ( مسجد حدث بها ) أي المقبرة فلا تصح الصلاة فيه ، سوى صلاة جنازة أو لعذر .

                                                                          قال الآمدي : لا فرق بين المسجد القديم والحديث انتهى .

                                                                          وإن حدثت القبور بعده ، حوله أو في قبلته ، كرهت الصلاة إليها بلا حائل ، وفي الهدي : لو وضع القبر والمسجد معا . لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة ا هـ . ولو حدث طريق بعد بناء المسجد صحت فيه ( ولا يصح فرض ) الصلاة ( في الكعبة ولا على ظهرها ) لقوله تعالى : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } والشطر : الجهة

                                                                          والمصلي فيها أو على سطحها غير مستقبل لجهتها ، ولأنه يستدبر من الكعبة ما لو استقبله منها خارجها صحت ، ولأن النهي عن الصلاة على ظهرها ورد صريحا في حديث ابن عمر السابق ، وفيه تنبيه على النهي عن الصلاة فيها ، لأنهما سواء في المعنى

                                                                          والجدار لا أثر له إذ المقصود البقعة ; لأنه يصلي إليها حيث لا جدار ( إلا إذا وقف ) المصلي ( على منتهاها بحيث لم يبق وراءه شيء ) منها ( أو ) وقف ( خارجها ) أي الكعبة ( وسجد فيها ) فيصح فرضه ، لأنه مستقبل لطائفة من الكعبة غير مستدبر لشيء منها ، كما لو صلى إلى أحد أركانها ( وتصح نافلة ) في الكعبة وعليها .

                                                                          ( و ) تصح ( منذورة فيها وعليها ) ولو لم يكن بين يديه شاخص متصل بها ، لحديث ابن عمر { دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة فأغلقوا عليهم فلما فتحوا كنت أول من ولج ، فلقيت بلالا ، فسألته : هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة ؟ قال : ركعتين بين الساريتين ، عن يسارك إذا دخلت ، ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين } رواه الشيخان ، ولفظه للبخاري ،

                                                                          ولا يعارضه روايتهما أيضا عن أسامة ، ولا رواية البخاري عن ابن عباس { أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة } ; لأن الدخول كان مرتين ، فلم يصل في الأولى وصلى في الثانية ، كذا رواه أحمد وذكره ابن حبان في صحيحه . وألحق النذر بالنفل ،

                                                                          وفي الاختيارات : النذر المطلق يحذى به حذو الفرائض ( ما لم يسجد على منتهاها ) أي الكعبة فلا تصح الصلاة مطلقا ; لأنه لم يستقبلها فيه ( ويسن نفله ) أي تنفله بالصلاة ( فيها ) أي الكعبة لما تقدم .

                                                                          ( و ) يسن أيضا نفله ( في الحجر ، وهو منها ) أي الكعبة نصا . لخبر عائشة ( وقدره ) أي الحجر الداخل في حدود البيت ( ستة أذرع وشيء ) فلا يصح [ ص: 167 ] استقبال ما زاد على ذلك ،

                                                                          لكن يطوف من ورائه جميعه احتياطا ( ويصح التوجه إليه ) أي الحجر ( مطلقا ) أي من مكي وغيره ; لأنه من الكعبة ، وسواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا ( والفرض فيه ) أي الحجر ( كداخلها ) أي الكعبة ، لا يصح إلا إذا وقف على منتهاه ولم يبق وراءه شيء . أو وقف خارجه وسجد فيه كما تقدم في الكعبة .

                                                                          قال أحمد : الحجر من البيت ( وتكره ) الصلاة ( بأرض الخيف ) لأنه موضع مسخوط عليه ، وكذا كل بقعة نزل بها عذاب ، كأرض بابل والحجر ومسجد الضرار ، وتكره أيضا في مقصورة تحمى نصا .

                                                                          قال ابن عقيل : لأنها كانت تختص بالظلمة وقال أحمد ما سمعت في الرحى بشيء ، وتصح في أرض السباخ قال في الرعاية : مع الكراهة ، ولا تكره ( ببيعة وكنيسة ) ولو مع صور .

                                                                          قال الشيخ تقي الدين : وليست ملكا لأحد وليس لهم منع من يعبد الله ، لأنا صالحناهم عليه ، ولا تكره الصلاة في مرابض الغنم . ولا بأس بالصلاة في أرض غيره ، ولو مزروعة ، أو على مصلاه بغير إذنه ، بلا غصب ولا ضرر .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية