الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          ( فيضع ) راكع ( يديه مفرجتي الأصابع على ركبتيه ) ندبا ، إن لم يكن ثم عذر يمنعه ، وإن أمكنه وضع إحداهما وضعها ، والتطبيق منسوخ لحديث مصعب بن سعد قال " صليت إلى جنب أبي ، فطبقت بين كفي ، ثم وضعتهما بين فخذي فنهاني عن ذلك ، وقال : كنا [ ص: 194 ] نفعل هذا فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب " رواه الجماعة .

                                                                          وعن عمر " الركب سنة لكم ، فخذوا بالركب " رواه النسائي والترمذي وصححه . ( ويمد ) راكع ( ظهره مستويا ويجعل رأسه حياله ) أي حيال ظهره فلا يرفعه عن ظهره ، ولا يخفضه لقول أبي حميد في حديثه " وركع فاعتدل ، ولم يصوب رأسه ولم يقنعه " ( ويجافي مرفقيه عن جنبيه ) لحديث أبي مسعود بن عقبة بن عمرو " أنه ركع فجافى يديه ووضع يديه على ركبتيه ، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه . وقال : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي " رواه أحمد وأبو داود والنسائي . ( والمجزئ ) من ركوع : الانحناء ( بحيث يمكن ) مصليا ( وسطا ) في الخلقة ( مس ركبتيه بيديه ) لأنه لا يسمى راكعا بدون ذلك ( وقدره ) أي وقدر الانحناء ( من غيره ) أي غير الوسط ، كطويل اليدين وقصيرهما ، فينحني حتى يكون بحيث لو كان من أوساط الناس لأمكنه مس ركبتيه بيديه ( و ) قدر المجزئ ( من قاعد مقابلة وجهه ) بانحنائه ( ما وراء ركبتيه من أرض أدنى ) أي أقل ( مقابلة ) لأنه ما دام قاعدا معتدلا لا ينظر ما وراء ركبتيه من الأرض ،

                                                                          فإذا انحنى بحيث يرى ما وراء ركبتيه منها أجزأه ذلك من الركوع ( وتتمتها ) أي تتمة مقابلة ما وراء ركبتيه من الأرض ( الكمال ) في ركوع قاعد . وقال المجد : ضابط الإجزاء الذي لا يختلف : أن يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل ومن انحنى لتناول شيء لم يخطر بباله الركوع لم يجزئه ( وينويه ) أي الركوع ( أحدب لا يمكنه ) ركوع ، كسائر الأفعال التي يعجز عنها ،

                                                                          فإن أمكنه بعضه ، كعاجز عن ركوع يجزئ الصحيح ، ومن به علة لا يقدر معها على الانحناء إلا على أحد جانبيه يلزمه ما قدر عليه لحديث { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } ( ويقول ) في ركوعه ( سبحان ربي العظيم ) لحديث عقبة بن عامر قال { لما نزلت : فسبح باسم ربك العظيم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : اجعلوها في ركوعكم ، فلما نزلت : سبح اسم ربك الأعلى ، قال : اجعلوها في سجودكم } رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه .

                                                                          والأفضل عدم الزيادة عليه فإن زاد : وبحمده ، فلا بأس ، وحكمة التخصيص : أن الأعلى أفعل تفضيل ، بخلاف العظيم . والسجود : غاية التواضع ، لما فيه من وضع الجبهة ، [ ص: 195 ] وهي أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام ، ولهذا كان أفضل من الركوع فجعل الأبلغ مع الأبلغ ، والمطلق مع المطلق . والواجب من التسبيح مرة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر عددا فيما سبق .

                                                                          وسن تكريره ( ثلاثا ) في قول عامة أهل العلم ( وهو ) أي التكرار ثلاثا ( أدنى الكمال ) لحديث عون عن ابن مسعود مرفوعا { إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات : سبحان ربي العظيم ، وذلك أدناه . وإذا سجد فليقل : سبحان ربي الأعلى ثلاثا ، وذلك أدناه } رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، لكنه مرسل .

                                                                          كما قال البخاري في تاريخه ، لأن عونا لم يسمع من ابن مسعود ، لكن عضده قول الصحابي وفتوى أكثر أهل العلم ( وأعلاه ) أي الكمال في التسبيح ( لإمام عشر ) مرات لما روي عن أنس " أن عمر بن عبد العزيز كان يصلي كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فحزروا ذلك بعشر تسبيحات " ( و ) أعلى الكمال ( المنفرد العرف ) أي المتعارف في موضعه ،

                                                                          وسكت عن مأموم ; لأنه تبع لإمامه ( وكذا سبحان ربي الأعلى في سجود ) فحكمه كتسبيح الركوع فيما يجب وأدنى الكمال وأعلاه لما تقدم ( والكمال في ) قول مصل ( رب اغفر لي ، بين السجدتين : ثلاث ) مرات إماما كان أو منفردا ( في غير صلاة كسوف في الكل ) أي تسبيح ركوع وسجود ورب اغفر لي ، لاستحباب التطويل الزائد على ما ذكر فيها .

                                                                          وتكره القراءة في ركوع وسجود ( ثم يرفع رأسه مع يديه ) إلى حذو منكبيه ، فرضا كانت أو نفلا ، صلى قائما أو جالسا ، وهو من تمام الصلاة . حيث شرع ( قائلا ، إمام ومنفرد : سمع الله لمن حمده ، مرتبا وجوبا ) لحديث ابن عمر المتفق عليه في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم { وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أي رفع يديه إلى حذو منكبيه وقال : سمع الله لمن حمده } . قال في الشرح : وظاهره أنه رفع يديه حين أخذ في رفع رأسه كقوله " إذا كبر " أي أخذ في التكبير ، ولأنه محل رفع المأموم ، فكان محل رفع الإمام ، كالركوع . ورفع اليدين في الرفع من الركوع : قول من تقدم ذكرهم في رفعهما عند الركوع .

                                                                          ويدل لوجوب التسميع على غير مأموم : حديث أنس مرفوعا { إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد } وروى أبو هريرة مثله . متفق عليهما . فقسم الذكر بينهما ، والقسمة تقطع الشركة . ومعنى " سمع الله لمن حمده " أي تقبله وجازاه عليه ،

                                                                          فإن [ ص: 196 ] نكس التسميع فقال : لمن حمده سمع الله لم يجزه ، كما لو نكس التكبير ، ولتغيير المعنى لأن : سمع الله لمن حمده : خبر ، معناه الدعاء ، فإذا نكست صارت صيغة شرط لا تصح للدعاء ( ثم ) بعد رفع من الركوع ( إن شاء وضع يمينه على شماله أو أرسلهما ) بجانبيه ، فيخير نصا ( فإذا قام ) أي استوى قائما حتى رجع كل عضو إلى موضعه

                                                                          لقول أبي حميد في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم " فإذا رفع رأسه استوى قائما ، حتى يعود كل فقار مكانه " ( قال : ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ) أي بعد السماء والأرض كالكرسي وغيره ، مما لا يعلم سعته إلا الله تعالى . والمعنى : حمدا لو كان أجساما لملأ ذلك .

                                                                          وإثبات واو " ولك " أفضل نصا للاتفاق عليه من رواية ابن عمر وأنس وأبي هريرة ولأنه أكثر حروفا ويتضمن الحمد مقدرا ومظهرا ، أي ربنا حمدناك ولك الحمد إذ الواو للعطف ، ولا معطوف عليه في اللفظ ، فيقدر " ملء " يجوز نصبه على الحال ، ورفعه على الصفة .

                                                                          والمعروف في الأخبار " السموات " لكن قال الإمام وأكثر الأصحاب : بالإفراد ، وله قول " اللهم ربنا ولك الحمد " وبلا واو أفضل . وإن عطس في رفعه فحمد الله لهما لم يجزه نصا . وصحح الموفق الإجزاء ، كما لو قاله ذاهلا ، وإن نوى أحدهما تعين ، ولم يجزه عن الآخر .

                                                                          وكذا لو عطس عند ابتداء قراءة الفاتحة ( ويحمد ) بالتشديد ، أي يقول : ربنا ولك الحمد ( فقط ) فلا يزيد على ذلك ( مأموم ، ويأتي به في رفعه ) لحديث أنس وأبي هريرة مرفوعا { إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد } متفق عليهما .

                                                                          فاقتصر على أمرهم بقوله " ربنا ولك الحمد " فدل على أنه لا يشرع لهم غيره وظاهر كلامه كالتنقيح : لا تستحب الزيادة لإمام ومنفرد على قول " وملء ما شئت من شيء بعد " وصحح في الإنصاف ، تبعا للمغني والشرح وغيرهما : استحباب زيادة " أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد : لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " وغيره مما صح ،

                                                                          ومن أراد ركوعا فسقط إلى الأرض قام فركع وإن سقط منه قبل أن يطمئن عاد إليه ليطمئن ، ولا يلزمه ابتداؤه عن انتصاب لأنه سبق منه ، وإن ركع واطمأن ، ثم سقط انتصب قائما [ ص: 197 ] ليحصل فرض الاعتدال عنه وإن ركع واطمأن ، فحدثت به علة منعته القيام سقط عنه الرفع ويسجد فإن زالت علته بعد سجوده لم يلزمه العود للرفع ، وإن زالت قبله عاد إليه ; لأنه قدر عليه قبل حصوله في الركن ، ويأتي حكم من نسي التسبيح في سجود السهو

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية